كقوله: ﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة: ١٢٥]. وقرئ: (عن ذكر الله). فإن قلت: ما الفرق بين"من"و"عن" في هذا؟ قلت: إذا قلت: قسا قلبه من ذر الله، فالمعنى ما ذكرت؛ من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه، وإذا قلت: عن ذكر الله، فالمعنى: غلظ عن قبول الذكر وجفا عنه. ونظيره: سقاه من العيمة، أي: من أجل عطشه، وسقاه عن العيمة: إذا أرواه حتى أبعده عن العطش.
[﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وقُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ ٢٣]
عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن أصحاب رسول الله ﷺ ملوا ملة، فقالوا له حدثنا؛ فنزلت. وإيقاع اسم"الله" مبتدًا، وبناء ﴿نَزَّلَ﴾ عليه: فيه تفخيم لأحسن الحديث، ورفع منه، واستشهاد على حسنه، وتأكيد لاستناده إلى الله، وأنه من عنده، وأن مثله لا يجوز أن يصدر إلا عنه، وتنبيه على أنه وحي معجز مباين لسائر الأحاديث. و ﴿كِتَابًا﴾ بدل من ﴿أَحْسَنَ الحَدِيثِ﴾، ويحتمل أن يكون حالًا منه. ﴿مُّتَشَابِهًا﴾: مطلق في مشابهة بعضه بعضًا، فكان متناولًا معانيه في الصحة والإحكام،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ملوا ملة)، الجوهري: مللت الشيء بالكسر أمله، ومللت منه أيضًا، مللًا وملةً وملالةً؛ إذا سئمته.
قوله: (وإيقاع"اسم الله" مبتدأ)، يعني: التركيب من باب تقوي الحكم، لكن في تخصيص اسم الله الجامع بالذكر وإيقاع الفعل على أحسن الحديث وإبدال ﴿كِتَابًا﴾ عنه ووصفه بـ ﴿مُّتَشَابِهًا﴾ الإشعار بترتب الحكم على الوصف والدلالة على الاختصاص، وأن مثل هذا الكلام في حسن نظمه وغرابته وكونه جامعًا للمعارف الحقة وحائزًا لمحاسن الأخلاق ومكارم الشيم لا ينبغي أن يصدر إلا عمن استجمع فيه الأسماء الحسنى والصفات العليا، وفي قوله: "وأن مثله" إشارة إلى الكناية التي ذكرناها؛ لأنها على منوال مثلك يجود.