..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتحرير المعنى: أنهم إذا فوجئوا بالقرآن وما فيه من القوارع والزواجر مجملًا تقشعر جلودهم وتخشى قلوبهم، فإذا ورد عليهم من ذكر اسم الذات وارد رحماني استبدلوا بالخشية رجاء، وبالقشعريرة لينًا، فلمًا جعل اقشعرار الجلود أصلًا في الاعتبار أولًا أتبع بذكر نا يناسب الاقشعرار من اللبن ثانيًا تغليبًا، وإلا كان مناسب الخشية الرجاء كما صرح به، وروى في تفسير قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنعام: ٢] عن أم الدرداء: "الوجل في القلب كاحتراق السعفة أما تجدله قشعريرة"، يعني: فزعت لذكره استعظاما له وتهيبًا من جلاله وعزة سلطانه وبطشه بالعصاة وعقابه، وهذا الذكر خلاف الذكر في قوله: ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُدُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾ لأن ذلك ذكر رحمته ورأفته وثوابه.
وروى الإمام عن لسان أهل العرفان: العارفون السائرون في بيداء جلال الله إن نظروا إلى عالم الجلال طاشوا، وإن لاح لهم أثر من عالم الجمال عاشوا.
وقلت- والله أعلم-: إن الله تعالى لما وصف القرآن المجيد وبالغ في مدحه حتى بلغ غايته من الكمال على ما سبق في قوله تعالى: ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ وأراد أن يبين كيفية هدايته للخلق، فإن جل الغرض من الكتب السماوية الهداية، قال: ﴿مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾، يعني: من أراد الله أن يهديه به أوقع في قلبه الخشية، كقوله: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] ثم يتأثر منه ظاهره بأن يأخذه في بدء الحال قشعريرة في الجلد لضعف الحال أو قوة سطوة الوارد، فإذا أدمن سماعه وألف أنواره تلين جلوده فيتأثر منه القلب فيطمئن إليه فتنقلب النفس الأمارة مطمئنة، ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، فكما يتأثر الظاهر من القلب في بدء الحال ينعكس في ثاني الحال، ويتأثر القلب من الظاهر، ولذلك جعل اقشعرار الجلد تابعًا لخشية الله أولًا، ولين القلب تابعًا للين الجلد ثانيًا، فيستمد الظاهر من الباطن أنواره، والباطن من الظاهر آثاره، فلا يزالان يتناوبان حتى يصعد السالك بذلك إلى مدارج القدس ومعارج الكمال، فيتوطن في مخدع