به الناس ولم بكذبهم به، يعنى: أداه إليهم كما نزل عليه من غير تحريف. وقيل: صار صادقًا به، أي: بسببه، لأنّ القرآن معجزة، والمعجزة تصديق من الحكيم الذي لا يفعل القبيح لمن يجريها على يده، ولا يجوز أن يصدق إلا الصادق، فيصير لذلك صادقًا بالمعجزة. وقرئ: (وصدّق به). فإن قلت: ما معنى إضافة الأسوأ والأحسن إلى الذي عملوا، وما معنى التفضيل فيهما؟ قلت: أما الإضافة فما هي من إضافة أفعل إلى الجملة التي يفضل عليها، ولكن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل، كقولك: الأشج أعدل بني مروان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الراغب: يستعمل الصدق في فعل الجوارح، نحو صدق في القتال، إذا وفى حقه وفعل ما يجب. وكذب في القتال، إذا كع وجبن. وعليه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ أي: حقق ما أورده قولًا بما تحراه فعلًا.
قوله: (فيصير لذلك صادقًا بالمعجزة)، إشارة إلى توجيه قول من قال: إن معنى: ﴿وَصَدَّقَ بِهِ﴾ صار صادقًا به. أي قوله: ﴿وَصَدَّقَ بِهِ﴾ كناية عن كونه صلوات الله عليه صار صادقًا بسبب القرآن، وذلك أنه صلوات الله عليه جاء بالصدق الذي هو القرآن، وسمي بالصدق مبالغة، كما أشار إليه بقوله: " ﴿بِالصِّدْقِ﴾ بالأمر الذي هو الصدق بعينه"، أي: جاء بالقرآن الذي هو محض الصدق، والحال أنه هو السبب في صيرورته صادقًا؛ لأنه معجزة، والمعجزة تصديق من الله الذي لا يصدق إلا الصادق.
قوله: (الأشج أعدل بني مروان)، روي أن عمر بن عبد العزيز سمي بالأشج، بشجة أصابت رأسه. وروى الشيخ إسماعيل صاحب "سير السلف": أن عمر بن عبد العزيز كان ربعة، رقيق الوجه، نحيف الجسم، بجبهته أثر نفخة الدابة. وروى الشيخ أبو نعيم في "حلية الأولياء" عن نافع، قال: كنت أسمع عمر يقول: ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة يملأ الأرض عدلًا.