من هذا التقدير، وقد جعله الزجاج بدلًا، وفي كونه بدلًا وحده بين الصفات نبو ظاهر، والوجه: أن يقال: لما صودف بين هؤلاء والمعارف هذه النكرة الواحدة، فقد آذنت بأن كلها أبدال غير أوصاف، ومثال ذلك: قصيدة جاءت تفاعيها كلها على "مستفعلن"، فهي محكوم عليها بأنها من بحر الرجز، فإن وقع فيها جزء واحد على "متفاعلين" كانت من الكامل. ولقائل أن يقول: هي صفات، وإنما حذف الألف واللام من ﴿شَدِيدِ العِقَابِ﴾، ليزاوج ما قبله وما بعده لفظًا، فقد غيرا وا كثيرا من كلامهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال صاحب "الفرائد": يمكن أن يقال: لما كان القابل بالنظر إلى أنه شيء له القبول، لا بالنظر إلى أنه عامل، صلح أن يكون صفة له بالإضافة إلى التوبة، وكان معرفة فصلح أن يكون "الشديد" من حيث إنه شيء له الشدة لا بالنظر إلى أنه عامل صفة له لإضافة إلى التوبة، وكان "العقاب" معرفة، فعلى هذا يكون "شديد العقاب" معرفة كما أنهما معرفتان، فليتأمل.
ويؤيده قول الإمام: لا نزاع في أن ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وقَابِلِ التَّوْبِ﴾ [غافر: ٣] صفتان، ومصححهما كونهما مفيدين معنى الدوام والاستمرار، فكذلك قوله: ﴿شَدِيدِ العِقَابِ﴾ لأن صفات الله منزهة عن الحدوث والتجدد، فكونه شديد العقاب معناه كونه بحيث يشد عقابه، وهذا المعنى حاصل أبدًا وغير موصوف بأنه حصل بعد أن لم يكن.
وقلت: نحو من هذا مر في ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤] وقوله: ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ [الأنعام: ٩٦].
قوله: (نبو ظاهر)، عن بعضهم: توسيط البدل بين الصفات جائز في النحو، لكنه قبيح بين علماء البيان؛ لأن الصفات تدل على أنه مقصود، والبدل يدل على أنه غير مقصود، فيلزم التناقض.