إلى اختيار البدل على الوصف إذا سلكت طريقة الإبدال. فإن قلت: ما بال الواو في قوله: ﴿وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾؟ قلت: فيها نكتة جليلة؛ وهي إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين: بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات، وأن يجعلها محاءة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[القمر: ٥٥] أي: عند مليك لا يوصف ملكه، ومقتدر لا يكتنه اقتداره، ولكن لما كانت السورة متضمنة للإنذار البليغ والدعوة إلى الإنابة والتوبة استدعى ذلك لبراعة الاستهلال أن يسلك بالأوصاف كلها طريقة الإبدال المستلزمة لتكرير العوامل؛ ليكون أنبل وأفخم.
وقوله: (وهي غفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين)، قال القاضي: ويجوز أن يستدل بالواو على تغاير الوصفين؛ إذ ربما يتوهم الاتحاد وتغاير موقع الفعلين؛ لأن الغفر هو الستر فيكون الذنب باقيًا، وهو لمن لم يتب، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، و"التوب" مصدر كالتوبة، وقيل: جمعها.
وقلت: كأنه أراد بقوله: "تغاير موقع الفعلين رد قول المصنف، يعني: إنما جيء بالواو ليفرق بين الوصفين ويؤذن بتغاير موقع الستر والقبول، فيكون الغفران بالنسبة إلى من لم يتب، والقبول بالنسبة إلى من تاب.
روى السلمي عن سهل رحمهما الله: ﴿غَافِرِ الذَّنبِ﴾ أي: ساتره على من يشاء، ﴿وقَابِلِ التَّوْبِ﴾ أي: ممن تاب إليه وأخلص العمل، وعليه النظم؛ لأن تأخير القبول عن الغفران_ على أن رتبته التقديم بحسب الموجود في شخص واحد_ دل على نفي توهم الجمع فيه.
الراغب: الغفر: إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس، ومنه قيل: اغفر ثوبك في الوعاء، واصبغ ثوبك، فإنه أغفر للوسخ، والغفران والمغفرة من الله تعالى: هو أن يصون


الصفحة التالية
Icon