في الدنيا بالعذاب المستأصل، كذلك وجب إهلاكهم بعذاب النار في الآخرة؛ أو في محل النصب بحذف لام التعليل وإيصال الفعل. و ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: قريش، ومعناه: كما وجب إهلاك أولئك الأمم، كذلك وجب إهلاك هؤلاء؛ لأن علة واحدة تجمعهم أنهم من أصحاب النار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو في محل النصب)، عطف على قوله: " في محل الرفع"، وعلى الأول: المراد الأمم المذكورة في قوله: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ يدل عليه قوله: " كما وجب إهلاكهم في الدنيا إلى الآخره"، والتشبيه واقع في حالتهم، والوجه الجامع للطرفين إيجاب العذاب، يعني: كما وجب عليهم عذاب الاستئصال في الدنيا؛ لأجل الكفر، كذلك وجب عليهم عذاب النار في الآخرة؛ لأجل قولنا: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٩]. وعلى الثاني: التشبيه واقع بين حالتي أولئك الكفرة وهؤلاء الحاضرين، والوجه الجامع قوله: ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾.
فإن قلت: ما وجه اختصاص كل من الوجهين بما خصه؟
قلت: على الأول: الذين كفروا مظهر وضع موضع المضمر للعلية فلم يحتج إلى تعليل آخر، فأبدل ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ تقريرًا وتوكيدًا. وعلى الثاني: ليس بذلك، فاستدعى أن يكون تعليلًا على وجه يبين وجه تشبيه حالة هؤلاء بأولئك، ويحتمل أن يكون ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ عامًا متناولًا للمذكورين وغيرهم، و"أنهم" تعليل أو بدل، فيدخل في العموم المذكورون دخولًا أوليًا، فعلى الأول: "أنهم" بدل لا غير، وعلى الثاني: تعليل. وعلى الثالث: يحتملهما. والنظم أوفق للثاني لقوله: "ثم ضرب لتكذيبهم مثلًا ما كان من نحو من الأمم".
ولما فرغ من ضرب المثل وإدخال المجادلين في آيات الله المعرضين عن الإنابة إلى غافر الذنب وقابل التوب في زمرة الذين ظهرت عليهم آثار وصف شديد العقاب تذييلًا، وأراد أن يشرع في ذكر مخالفيهم من المؤمنين المخبتين المنيبين إلى قابل التوب ذي الطول، أجل قدرهم وعظم شأنهم، فاستأنف بذكر الكروبيين المقربين عنده، وجعل التخلص


الصفحة التالية
Icon