فوجب أن يكون ما بعد الفاء مشتملًا على حديثهما جميعًا، وما ذكر إلا الغفران وحده! قلت: معناه: فاغفر للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيلك. وسبيل الله: سبيل الحق التي نهجها لعبادة ودعا إليها. ﴿إنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ أي: الملك الذي لا يغلب، وأنت مع ملكك وعزتك لا تفعل شيئًا إلا بداعي الحكمة، وموجب حكمتك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما فائدة العدول عن المضمر وأن لم يقل: فاغفر لهم، بل قيل: ﴿لِلَّذِينَ تَابُوا واتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾ فهي أن الملائكة كما عللوا الغفوان في حق مفيض الخيرات بالعلم الشامل والرحمة الواسعة، عللوا الغفران في حق مفيض الخيرات بالعلم الشامل والرحمة الواسعة، عللوا قابل الفيض أيضًا بالتوبة عن الشرك واتباع سبيل الإسلام.
روينا عن البخاري ومسلم والترمذي، عن معاذ بن جبل قال: "كنت ردف النبي ﷺ على حمار يقال له: عفير، فقال: يا معاذ، هل تدري ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا. فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا".
وفي رواية أنس: أن نبي الله ﷺ قال: "ما من عبد يشهد أن لا إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار. قال: يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: إذا يتكلوا. فأخبر بها معاذ عند موته".
فإن قلت: هذه التوبة إنما تصح في حق من سبق شركة على إسلامه، ومن ولد مسلمًا ودام عليه كيف يدخل فيه؟ قلت: الآية نازلة في زمن الصحابة، وجلهم انتقلوا من الشرك إلى الإسلام. ولو قيل: اغفر لمن لم يشرك لخرجوا. فغلب الصحابة على سنن جميع الأحكام، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon