وهي مختلفة تعريفًا وتنكيرًا. وقرئ: (رفيع الدرجات) بالنصب على المدح، و ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾، كقوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ [المعارج: ٣]؛ وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش، وهي دليل على عزته وملكوته. وعن ابن جبير: سماء فوق سماء، والعرش فوقهن. ويجوز أن يكون عبارة عن رفعة شأنه وعلو سلطانه، كما أن ذا العرش عبارة عن ملكه. وقيل: هي درجات ثوابه التي ينزلها أولياءه في الجنة. ﴿الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ﴾ الذي هو سبب الحياة من أمره، يريد: الوحي الذي هو أمر بالخير وبعث عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما أن ذا العرش عبارة)، يعني: أن "ذا العرش" هنا مثل قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] كناية عن الملك من غير إرادة الحقيقة.
قال المصنف فيه: يقال: استوى فلان على العرش، يريدون ملك، وإن لم يقعد على السرير البتة، كذلك" رفيع الدرجات" كناية عن رفعة شأنه وعلو سلطانه من غير إرادة الدرجات الحقيقة، وعلى الوجه الأول أيضًا كناية، لكن مع إرادة الحقيقة؛ لقوله: "وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش" وهو دليل على عزته وملكوته، وهو أنسب لقوله: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ﴾ والمراد الوحي؛ ليكون على وزان قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا﴾ [النحل: ١ - ٢]
وأما قول من قال: هي درجات ثوابة التي ينزلها أولياءه في الجنة، فمناسب لقوله: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ فتكون قرينة دالة على أن الدرجات مستعارة لمراتب الثواب استعارة محسوس لمعقول.
الأساس: ومن المجاز: لفلان درجة رفيعة.
قوله: (﴿مِنْ أَمْرِهِ﴾... يريد الوحي)، يعني: المراد بالأمر ها هنا: الوحي، وصح ذلك؛ لأن الوحي أمر بالخير، وإنما ذهب إليه؛ لأن ﴿مِنْ أَمْرِهِ﴾ بيان لـ"الروح" فلذلك استعير للوحي الروح، وقد حققنا وجه الاستعارة في مفتتح سورة "النحل"، فـ ﴿مِنْ﴾ على هذا


الصفحة التالية
Icon