[﴿واللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ والَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ ٢٠]
﴿واللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ يعني: والذي هذه صفاته وأحواله لا يقضي إلا بالحق والعدل؛ لاستغنائه عن الظلم، وآلهتكم لا يقضون بشيء. وهذا تهكم بهم؛ لأن ما لا يوصف بالقدرة لا يقال فيه: يقضي، أو: لا يقضي. ﴿إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ تقرير لقوله: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ ومَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: ١٩]، ووعيد لهم بأنه يسمع ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة: ٢٥٥] فكأنه قيل: ما للظالمين من شفيع؛ لما يعلم الله منهم الخيانة سرًا وعلانية ظاهرًا وباطنًا، فتخلص من تلك الورطة؟
قلت: إذا جعل من الأخبار المستقلة بالدلالة لإثبات وصف العلم ويتصل به حديث العدل والقضاء الحق، ، ويكون تخلصًا إلى ذم آلهتهم، ولا يفوت تعليل نفي الشفاعة أيضًا على سبيل الإدماج لاقترانه به، كان أحسن من تعليقه بنفي الشفاعة وحده. لله در المصنف ولطيف اعتباراته ودقيق إشاراته، ورحم الله من كان سببًا لمثار هذه النكات.
قوله: (والذي هذه صفاته وأحواله لا يقتضي إلا بالحق)، يعني: عومل بالاسم الجامع معاملة اسم الإشارة، مثل "أولئك" و "ذلك" إذا وقع بعده حكم؛ ليؤذن بأن ما بعده جدير بما قبله لإجراء تلك الصفات عليه، وإنما عدل من اسم الإشارة إلى اسم الذات؛ ليكون أجمع وأفخم.
قوله: (وهذا تهكم بهم)، فإن قلت: لم لم يجعله من المشاكلة؟ قلت: جعله استعارة تهكمية أبلغ، والاختيار أولى، والمقام له أذعى، وهو تحقير شأن آلهتهم وتسفيه رأيهم.
قوله: (﴿إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ تقرير لقوله: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ ومَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾)، أي: يعلم خائنة الأعين؛ لأنه بصير لا يحجبه شيء من المبصرات التي تخفى على كل ذي بصر، ويعلم ما تخفي الصدور من الهواجس التي ربما تخفى على صاحبها؛ لأنه سميع حقيقي، وإنما فضل هذه الفقرة بهذه الفاصلة يكون ظاهرًا في التعريض بما يدعون من دون الله، وأنها لا تقدر على القضاء؛ لأنها لا تسمع ولا تبصر.


الصفحة التالية
Icon