[﴿ويَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ غافر: ٣٢ - ٣٣]
(التنادي) ما حكى الله في سورة الأعراف من قوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ﴾ [الأعراف: ٤٤]، و ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: ٥٠]، ويجوز أن يكون تصايحهم بالويل والثبور. وقرئ بالتشديد، وهو أن يند بعضهم من بعض؛ كقوله: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ﴾ [عبس: ٣٤]. وعن الضحاك: إذا سمعوا زفير النار ندوا هربًا، فلا يأتون قطرًا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفًا، فبيناهم يموج بعضهم في بعض، إذ سمعوا مناديًا: أقبلوا إلى الحساب. ﴿تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ عن قتادة: منصرفين عن موقف الحساب إلى النار. وعن مجاهد: فارين عن النار غير معجزين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القتل، فحينئذ أيس المؤمن واستشعر الخوف وأيقن أن حجة الله لزمتهم، قال: ﴿إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ﴾، لأنه تعالى بعث إليهم الرسل مصحوبًا بالبينات كرسولكم فلم يؤمنوا، فدمرهم الله، ﴿ومَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ﴾.
وينصره ما ذكره محيي السنة: ﴿ومَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ﴾ أي: لا يهلكهم قبل اتخذ الحجة عليهم. يعني: عبر عن سنة الله الجارية -وهي إرادة بعثة الرسل إلى الأمم حتى إن أهلكهم لا يقولوا: ﴿مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ﴾ [المائدة: ١٩] فنحن مظلومون- بقوله: ﴿ومَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ﴾ أي: الله لا يريد الإهلاك قبل اتخاذ الحجة، وقد بعث إليهم وإليكم الحجة.
وظهر أن قول المصنف: "لا يريد لهم أن يظلموا" مما ينبو عنه المقام، وقضية مذهبه جره إليه.
قوله: (وقرئ بالتشديد)، قال ابن جني: وهي قراءة ابن عباس والضحاك والكلبي، وهو "تفاعل" مصدر "تناد القوم"، أي: تفرقوا، من قولهم: ند يند، كنفر ينفر، وتنادوا كتنافروا. والتناد كالتنافر، وأصله: التنادد، فأدغم.