و ﴿جَرَمَ﴾: فعل بمعنى حق، و"أن" مع ما في حيزه فاعله، أي: حق ووجب بطلان دعوته. أو بمعنى: كسب، من قوله تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٢] أي: كسب ذلك الدعاء إليه بطلان دعوته، على معنى: أنه ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته. ويجوز أن يقال: إن "لا جرم" نظير "لابد"، فعل من الجرم؛ وهو القطع، كما أن بدا فعل من التبديد؛ وهو التفريق؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولقد طعنت أبا عبيدة طعنة.... جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي: حقت فزارة بالغضب. ومعنى "لا" نفي لما ظنوا أنه ينفعهم، كأن المعنى: لا ينفعهم ذلك، جرم في الآخرة هم الأخسرون، أي: كتب ذلك الفعل لهم الخسران. وعن بعضهم: "لا" هاهنا كـ"لا"؛ في "لا أقسم" في أنه رد لكلام سابق..
قوله: (و"أن" مع ما في حيزه فاعله)، أي: "ما" في ﴿أَنَّمَا﴾ بمعنى: الذي، أي: حق وثبت أن الذي تدعونني إليه ليس له دعوة، ولما كان معنى قوله: ﴿لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ﴾ قريبًا من معنى: بطل دعوته، رجع تلخيص المعنى إلى أنه حق وثبت بطلان دعوته؛ لما سيجيء بعيد هذا أن معناه: إن ما تدعونني إليه ليس له دعوة إلى نفسه قط، إلى قوله: "ولو كان حيوانًا ناطقًا لضج من دعائكم".
قوله: (أي: كسب ذلك الدعاء إليه بطلان دعوته)، "ذلك الدعاء": فاعل "كسب"، وهو معنى قوله: ﴿أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إلَيْهِ﴾ وقوله: "بطلان دعوته" معنى قوله: ﴿لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا ولا فِي الآخِرَةِ﴾، والضمير راجع إلى المدعو الذي في قوله: ﴿لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وأُشْرِكَ بِهِ﴾.
قوله: (نظير "لابد")، فعلى هذا ﴿جَرَمَ﴾ اسم "لا"، و ﴿جَرَمَ﴾ مرفوع المحل مبتدأ، والخبر ﴿أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إلَيْهِ﴾.


الصفحة التالية
Icon