إنا كلنا- أو: كلنا- فيها. فإن قلت: هل يجوز أن يكون (كلا) حالًا قد عمل فيها ﴿فِيهَا﴾؟ قلت: لا؛ لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمة كما يعمل في الظرف متقدمًا، تقول: كل يوم لك ثوب، ولا تقول: قائمًا في الدار زيد. ﴿قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبَادِ﴾: قضى بينهم وفصل بأن أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
[﴿وقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ العَذَابِ * قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَاتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا ومَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إلاَّ فِي ضَلالٍ﴾ ٤٩ - ٥٠]
﴿لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ﴾: للقوام بتعذيب أهلها. فإن قلت: هلا قيل: الذين في النار لخزنتها! قلت: لأن في ذكر جهنم تهويلًا وتفظيعًا، ويحتمل أن جهنم هي أبعد النار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إنا كلنا- أو: كلنا- فيها)، والرفع أبلغ؛ لأن "كلنا" مبتدأ و"فيها" الخبر، والجملة خبر"إن"، فيكون "كل" مقصودًا بالذكر بخلاف النصب؛ لأنه فضلة في الكلام.
قال ابن جني: زيد ضربته، أقوى من قولنا: زيدًا ضربت؛ لأن" زيدًا" في الأول رب الجملة، وفي الثاني فضلة.
قوله: (لا؛ لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمة كما يعمل في الظرف متقدمًا)، قال صاحب"التقريب": وفيه نظر؛ لأنه ذكر في "الواقعة" بخلافه، قال: ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ حال من الضمير في ﴿عَلَى﴾ وهو العامل فيها، أي: استقروا عليها متكئين. وقلت: ليس بخلاف ما ذكر في "الواقعة" لأنه قال: ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ حال من الضمير في ﴿عَلَى﴾ أي: في قوله: ﴿عَلَى سُرُرٍ﴾ [الطور: ٢٠] لا في قوله: ﴿عَلَيْهَا﴾، وذلك أن ﴿عَلَى سُرُرٍ﴾ إما خبر لـ ﴿ثُلَّةٌ﴾، والعامل الاستقرار، أو حال من الضمير في ﴿مِنَ الْأَوَّلِينَ﴾ [الواقعة: ١٣] إذا جعل ﴿ثُلَّةٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف، فالمعنى: هم مستقرون على سرر متكئين، ﴿عَلَيْهَا﴾ صلة ﴿مُتَّكِئِينَ﴾.
قوله: (لأن في ذكر جهنم تهويلًا وتفظيعًا)، الانتصاف: هذا الوجه أظهر من الثاني،


الصفحة التالية
Icon