وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْها مُنْقَلَبًا} [الكهف: ٣٦]، وكانوا يفرحون بذلك، ويدفعون به البينات وعلم الأنبياء، كما قال عز وجل: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: ٣٢]. ومنها: أن يريد علم الفلاسفة والدهريين من بني يونان، وكانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه، وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم. وعن سقراط: أنه سمع بموسى صلوات الله عليه وسلامه، وقيل له: لو هاجرت إليه، فقال: نحن قوم مهذبون، فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا. ومنها: أن يوضع قوله: ﴿فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ -ولا علم عندهم البتة- موضع قوله: لم يفرحوا بما جاءهم من العلم، مبالغة في نفى فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والمسرة، مع تهكم بفرط جهلهم وخلوهم من العلم. ومنها: أن يراد: فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به، كأنه قال: استهزؤا بالبينات وبما جاءوا به من علم الوحي فرحين مرحين. ويدل عليه قوله: ﴿وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾. ومنها: أن يجعل الفرح للرسل، ومعناه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يونان)، في نسخة صحيحة: صح بفتح الياء.
قوله: (أن يوضع قوله: ﴿فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾)، يعني: حق الظاهر أن يقال: فلما جاءتهم رسلهم بالبينات لم يفرحوا بها لجهلهم، فوضع موضعه ﴿فرحوا بما عندهم من العلم﴾ على سبيل التهكم تعريضًا، كما تقول لمن لا يدري ولا يدري أنه لا يدري: قد جاءك فلان العلامة، فرحت بما عندك من العلم، أي: لم تنتهز تلك الفرصة واغتررت بجهلك المركب.
قوله: (ويدل عليه قوله: ﴿وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾)، أي: يدل على أن ﴿فَرِحُوا﴾ في قوله: ﴿بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ﴾ مضمن معنى الاستهزاء على سبيل الكناية؛ لاقتضاء المقام، وأن المعنى: استهزؤوا بما جاء به الرسل من الوحي فرحين، من رد العجز على الصدر من حيث المعنى، كأنه قيل: فلما جاءتهم رسلهم بالبينات استهزؤوا بما عندهم من العلم، فوضع ﴿فَرِحُوا﴾ موضع "استهزؤوا" كناية؛ لأن المستهزئ فرح مرح، ودل عليه قوله: ﴿ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾.