..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الله تعالى أوحى إلي، فإني أبلغ هذا الوحي إليكم، إن شرفكم الله بالتوفيق قبلتموه، وإن خذلكم بالحرمان رددتموه، وذلك لا يتعلق بنبوتي ورسالتي.
وفسر صاحب "الانتصاف" كلام المصنف بأن قال: إنما كان قوله: ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ جوابًا لما سبق؛ لأنهم لما أبوا القبول منه كل الإباء قال: ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ لا قدرة لي على إظهار المعجزات، بل تختص القدرة عليها بالله تعالى تصديقًا لي، ثم عقبه بما يتم المقصود وهو التوحيد، وأدرج تحت الاستقامة جميع تفاصيل الشرع، وتممه بإنذارهم على ترك القبول بالويل. وقدر بعضهم كأنهم قالوا: لا نصغي إلى قولك ولا نرعوي إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا صحت نبوتي وجب عليكم الارعواء والإصغاء إلى قولي".
وقلت: كيفما كان الجواب من الأسلوب الحكيم، والمطابقة بين الجواب والسؤال إنما تظهر إذا نظر إلى الجانبين والمعنى والتركيب وما يقتضيه من المعنى بحسب المقام فنقول: : لفظة "إنما" من أدوات الحصر، ومعنى التركيب ها هنا ما أنا إلا بشر موحى له، وإنما يستقيم هذا إذا قيل له: أنت فيما تدعيه من الوحي والرسالة كمدعي ما يوجب الخروج من البشرية والدخول في الملكية؛ لأن الرسالة منافية للبشرية، وإنها من مناصب الملائكة، وكتاب الله مملوء من هذا الرد، وهذا المعنى إنما يعطيه معنى قولهم: ﴿وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا﴾، على إرادة إنك فيما تدعيه من الرسالة وإثبات التوحيد، ونحن فيما نعتقد من أن البشرية منافية للرسالة في حاجز منيع وحجاب ساتر كما مر.
وتمام التقرير أنه صلوات الله عليه حين تحداهم بقوله: ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ﴾ كأنه قال: إني رسول الله إليكم، ومعجزتي هذا الكتاب الفارق بين الحق والباطل والكاذب والصادق، وإنه نازل بلسانكم وأنتم زعماء الحوار وأرباب البيان تعلمون أنه كذلك لما عجزتم عن الإتيان بمثله، وهو المراد من قوله: يعلمون ما نزل عليهم من الآيات المفصلة المنبئة بلسانهم العربي المبين، وعند ذلك أعرضوا وعاندوا