يصدر عن المدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته، كما يقول الأجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي، وهو عالم بذلك، ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق، مع وضوحه؛ استجهالًا له.
[﴿وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ * وَما يَاتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ * فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾ ٦ - ٨]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (عن المدل بصحة الأمر): أي: المتوثق. الأساس: "أدل على قرنه، وهو مدل بفضله وشجاعته، ومنه أسد مدل". المغرب: "التدلل: تفعل من الدلال والدالة، وهما الجرأة".
قوله: (استجهالًا له): وكذلك قوله: ﴿أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ﴾ استجهالًا لهم في أنهم مع معرفتهم أن القرآن عربي مبين، وقد أبان طرق الهدى من طرق الضلالة، وأبان ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة، فرطوا فيه مثل تفريط من لم يعرف ذلك وشك فيه، فالتعريف في ﴿الذِّكْرَ﴾ للعهد الخارجي التقديري، لأن قوله: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًا﴾ في معنى الذكر، قال في سورة (ص): "أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من الشرائع وغيرها"، بل نضرب عن هذا التقدير صفحًا، ونقول: أن الذكر مظهر وضع مقام المضمر من غير لفظه السابق إشعارًا بالعلية، والمراد به الشرف والصيت، وأن هذا الشرط ليس من المثال المذكور في المتن في شيء، بل هو من قبيل قوله تعالى: ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾ [القلم: ١٤] بالكسر على قراءة نافع من طريق الزبيدي، أي: لا تطع كل حلاف شارطًا يساره، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٥١]، فهو كالتعليل، فيوافق قراءة الفتح في ﴿أَن كُنتُمْ﴾، وإذ كنتم وأن المراد بالمسرفين: المستهزؤون بآيات الله وكتابه، لقوله بعده: ﴿ومَا يَاتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، فإنه تهديد مرتب عليه، وهذا ما