﴿وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي: سلف في القرآن في غير موضع منه ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقها أن تسير مسير المثل، وهذا وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعيد لهم.
[﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ ٩ - ١١]
فإن قلت: قوله: ﴿لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾، وما سرد من الأوصاف عقيبه، إن كان من قولهم، فما تصنع بقوله: ﴿فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذلِكَ تُخْرَجُونَ﴾، وإن كان من قول الله، فما وجهه؟ قلت: هو من قول الله لا من قولهم، ومعنى قوله: ﴿لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾. الذي من صفته كيت وكيت، لينسبنّ خلقها إلى الذي هذه أوصافه وليسندنه إليه.
﴿بِقَدَرٍ﴾ بمقدار يسلم معه البلاد والعباد، ولم يكن طوفانًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرسول ﷺ عن استهزائهم فيهم، أعرض عنهم والتفت إليه صلوات الله عليه قائلًا: ﴿فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم﴾، وأتى بقوله: ﴿وكَمْ أَرْسَلْنَا﴾ الآيتين معترضًا بين المعطوف والمعطوف عليه، مؤكدًا لمعنى التسلية.
قوله: (لينسبن خلقها إلى الذي هذه أو صافه): ونظيره قوله تعالى: ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٤ - ٤٥]، فوصفهم وهم في النار بما عرف منهم في الدنيا، وكانوا منسوبين إليه. وإذا كان من كلام القوم فالمعنى: ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن: الله. وقولهم: "الله" متضمن لهذه الأوصاف ومستلزم لها، فكأنهم ذكروا عند ذكرهم هذا هذه الأوصاف كلها ضمنًا، والله تعالى يفسر قولهم: "الله" بهذه الأوصاف.