وكم من راكبين في سفينة انكسرت بهم فغرقوا، فلما كان الركوب مباشرة أمر مخطر، واتصالًا بسبب من أسباب التلف، كان من حق الراكب -وقد اتصل بسبب من أسباب التلف-: أن لا ينسى عند اتصاله به يومه، وأنه هالك لا محالة، فمنقلب إلى الله غير منفلت من قضائه، ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه، حتى يكون مستعدًا للقاء الله بإصلاحه من نفسه، والحذر من أن يكون ركوبه ذلك من أسباب موته في علم الله، وهو غافل عنه، ويستعيذ بالله من مقام من يقول لقرنائه: تعالوا نتنزه على الخيل، أو في بعض الزوارق، فيركبون حاملين مع أنفسهم أواني الخمر والمعازف، فلا يزالون يسقون، حتى تميل طلاهم وهم على ظهور الدواب، أو في بطون السفن، وهي تجرى بهم، لا يذكرون إلا الشيطان، ولا يمتثلون إلا أوامره.
وقد بلغني أنّ بعض السلاطين ركب وهو يشرب من بلد إلى بلد بينهما مسيرة شهر، فلم يصح إلا بعد ما اطمأنت به الدار، فلم يشعر بمسيره ولا أحس به، فكم بين فعل أولئك الراكبين وبين ما أمره الله به في هذه الآية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (انكسرت بهم): حال، نحوه قال أبي الطيب:
تدوس بنا الجماجم والتريبا
قوله: (أن لا ينسى عند اتصاله به يومه): مفعول "ينسى": أي" هلاكه، فيكون قوله: "وأنه هالك لا محالة" عطفًا تفسيريًا.
قوله: (والمعازف): الجوهري: "المعازف: الملاهي، والعازف: اللاعب بها والمغني".
قوله: (اطمأنت به الدار)، الأساس: "اطمأن إليه: سكن إليه، ووثق به، واطمأن عما


الصفحة التالية
Icon