ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقول به مستلزم للمدح- ألا ترى إلى قوله في حكاية المنافقين: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: ١٤]: "المستهزئ بالشيء المستخف به منكر له ودافع لكونه معتدًا به، ودفع نقيض الشيء تأكيد لثباته"-، ولا إلى الثالث؛ لأن الذهاب إليه مما يخرم النظم، ويأباه أيضًا قوله تعالى: ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾، لأن المستهزئ لا يكذب، ولكن يوبخ على استهزائه، فلا يقال: ﴿إنْ هُمْ إلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ إذا استهزؤوا بذلك القول.
ثم أن الزجاج ذكر ما يصح أن يقع جوابًا عن هذا، وهو أن قوله: ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ عائد إلى قولهم: "الملائكة بنات الله"، لا إلى قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم﴾، فأورده المصنف على نفسه سؤالًا، وأجاب: أنه "تمحل مبطل وتحريف مكابر".
وصحح الإمام رد المصنف، وقال: "إن ذلك يؤدي إلى أنه تعالى حكى عن القوم قولين باطلين، وبين وجه بطلانهما، ثم حكى بعدهما مذهبًا ثالثًا في مسألة أجنبية، ثم حكم ببطلانها أيضًا، فصرف هذا الإبطال عن المذكور عقيبه، إلى كلام متقدم عليه: غاية البعد"، وقرر أيضًا رد المصنف القول بالاستهزاء، ثم قال: "والحق عندي: هو أن القوم لما ذكروا هذا الكلام استدلوا بمشيئة الله للكفر على أنه لا يجوز ورود الأمر بالإيمان، واعتقدوا أن الأمر والإرادة يجب كونهما متطابقين، وهذا عندنا باطل، والقوم لم يستحقوا الذم بمجرد قولهم: أن الله يريد الكفر من الكافر، بل لأجل أنهم قالوا: لما أراد الكفر من الكافر وجب أن يقبح منه أمر الكافر بالإيمان".
ويقرب منه ما روى الواحدي عن صاحب النظم: "أن هذا القول حق، وإن كان من الكفار، وهذا كقوله: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٣٥]، وإن جعلت قوله: ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ ردًا لقولهم: ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم﴾، كان المعنى: أنهم قالوا: أن شاء الله قدرنا على عبادتها، فلم يعاقبنا؟ لأنه رضي بذلك هنا. وهذا كذب منهم، لأن الله


الصفحة التالية
Icon