ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منه في نفي العلم، وعلى هذا الإضراب الثاني.
فظهر من هذا البيان أن قول المصنف: "فإن قالوا: نجعل هذا الأخير وحده مقولا على وجه الهزء، دون ما قبله، فما بهم إلا تعويج كتاب الله": غير مستقيم، وأن قوله: "هما كفرتان أيضًا مضمومتان إلى الكفرات الثلاث" -على معنى أن قوله: ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ﴾ متصل بقوله: ﴿وجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾، وهما منضمان إلى الكفرات الثلاث، وهي: اتخاذ البنات، واصطفاء البنين، وجعل الملائكة إناثًا-تعويج، لأن الآيات غير واردة على نسق واحد، ولا على وتيرة الترتيب، فبعضها إنشائية، أي: قوله: ﴿أَمِ اتَّخَذَ﴾، وقوله: ﴿أَوَ مَن يُنَشَّأُ﴾، وبعضها حال، أي: قوله: ﴿وأَصْفَاكُم﴾، ﴿وإذَا بُشِّرَ﴾، وبعضها عطف، فدل الاختلاف على التباين من هذه الجهة، وقد مر تقرير مواقعها، وأن الكفرات ثلاث لا غير.
ويمكن تصحيح قول الزجاج، وهو أن قوله: ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ عائد إلى قولهم: "الملائكة بنات الله"، لا إلى قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم﴾، وذلك بأن يجعل ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم﴾ جوابًا لما تضمنت تلك الآيات من معنى الإنكار والاحتجاج عليهم بعبادة الملائكة، فيكون قولهم هذا أمارة انجزالهم وانقطاعهم، ودلالة على أن الحجة قد بهرتهم، ولم يبق لهم متشبت إلا هذا لقول، كما هو ديدن المحجوج، وقد مر في "الأنعام" من هذا النوع نبذ.
وقريب منه قول القاضي: "كأنه لما أبدى وجوه فساد أقوالهم، وحكى شبههم المزيفة، نفى أن يكون لهم بها علم"، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon