وقيل: وجعلها الله. وقرئ: "كلمة" على التخفيف. و ﴿فِي عَقِبِهِ﴾ كذلك، و"في عاقبه"، أي: فيمن عقبه، أي: خلفه.
[﴿بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ﴾ ٢٩]
﴿بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ﴾ يعني: أهل مكة، وهم من عقب إبراهيم -بالمدّ في العمر والنعمة، فاغتروا بالمهلة، وشغلوا بالتنعم واتباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد، ﴿حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ﴾ وهو القرآن، ﴿وَرَسُولٌ﴾ مُبِينٌ الرسالة واضحها بما معه من الآيات البينة، فكذبوا به وسموه ساحرًا وما جاء به سحرًا، ولم يوجد منهم ما رجاه إبراهيم. وقرئ: "بل متعنا".
فإن قلت: فما وجه قراءة من قرأ: "مَتَّعْتُ" بفتح التاء؟ قلت: كأن الله تعالى اعترض على ذاته في قوله: ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ﴿إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ﴾ [البقرة: ١٣١]، كما أن الضمير في "جعلها" عائد على قوله: ﴿إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ على تأويل "الكلمة".
قوله: (يعني: أهل مكة، وهم من عقب إبراهيم): إشارة إلى معنى الإضراب في قوله: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ﴾ عن قوله: ﴿وجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، أي: جعلت كلمة التوحيد باقية في عقبه زمانًا بعد زمان، لا يزال يدعو من وحد منهم من أشرك إلى التوحيد من أمة موسى وعيسى وغيرهما، ودع قصة أولئك وانظر إلى هؤلاء المشركين؛ كيف متعناهم بالعمر والنعمة، وبعثنا فيهم من يدعوهم إلى التوحيد، بدعاء أبيهم إبراهيم: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا﴾ [البقرة: ١٢٩]، فاغتروا بالمهلة وشغلوا بالتنعم واتباع الشهوات عن داعيهم وما يدعو إليه من كلمة التوحيد؟ وإليه الإشارة بقوله: "ولم يوجد منهم ما رجاه إبراهيم"، وهذه الشكاية نحو قوله تعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢].
قوله: (كأن الله تعالى اعترض على ذاته): يعني: هذا الأسلوب من باب التجريد في


الصفحة التالية
Icon