يعني: بعضها من فضة وبعضها من ذهب، فنصب عطفًا على محل ﴿مِنْ فِضَّةٍ﴾، وفي معناه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو وزنت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء».
فإن قلت: فحين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كان يؤدّى إليها التوسعة عليهم، من إطباق الناس على الكفر؛ لحبهم الدنيا وتهالكهم عليها، فهلا وسع على المسلمين؛ ليطبق الناس على الإسلام؟.....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لو وزنت [الدنيا] عند الله جناح بعوضة) الحديث: من رواية الترمذي وابن ماجة عن سهل: أن رسول الله ﷺ قال: "لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة". ولما كان معنى الآية: لولا كراهة اجتماع الناس على الكفر لمعتنا الجميع تمتيعًا بليغًا، فيشتغلوا بالدنيا وزخرفها عن الإيمان وذكر المولى، لكن أردنا إيمان بعض وكفر بعض، فلم نمتع كلهم، فرجع بعضهم مؤمنين زاهدين، وبعضهم كافرين متمتعين، فعلم منه أن الدنيا لا تصلح لأهل الله، وليس من شيمتهم التمتع بها، ولكن من شيمة من بعد من الله ومن المقامات الزلفى، مثل الكافر، ومن ثم قال: "وفي معناه قول رسول الله ﷺ "، ولهذا ختم الآية بقوله: ﴿والآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
قال القاضي: "فيه دلالة على أن العظيم هو العظيم في الآخرة لا في الدنيا وإشعار بما لأجله لم يجعل ذلك للمؤمنين وهو أنه تمتع قليل بالإضافة إلى ما لهم في الآخرة، وإخلال في الأغلب؛ لما فيه من الآفات، قل من يتخلص عنها، كما أشار إليه بقوله: ﴿ومَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾ ".


الصفحة التالية
Icon