وقرئ: "جاءانا"، على أنّ الفعل له ولشيطانه، ﴿قالَ﴾ لشيطانه: ﴿يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ﴾ يريد: المشرق والمغرب، فغلب، كما قيل: العمران والقمران. فإن قلت: فما ﴿بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ﴾؟ قلت: تباعدهما، والأصل: بعد المشرق من المغرب، والمغرب من المشرق، فلما غلب وجمع المفترقين بالتثنية، أضاف البعد إليهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل واحدة بنفسها، فلا يمنع، ورددت على الزمخشري، في قوله: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٨٧]، [فإن] الجملة واحدة، فانظره في موضعه".
قوله: (وقرئ: "جاءانا"): الحرميان وابن عامر وأبو بكر: "جاءانا"؛ على التثنية، والباقون: على التوحيد.
قوله: (تباعدهما، والأصل: بعد المشرق من المغرب)، الانتصاف: ألجاه إلى تقدير البعد بالتباعد: إضافته إلى ﴿الْمَشْرِقَيْنِ﴾ جميعًا، فلو بقي على ظاهره لأفاد بعد المشرقين من غيرهما، والظاهر أنه من اللف، وأصله: بعد المشرق من المغرب، وبعد المغرب من المشرق، ثم لفه، كقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١١١].
وقلت: معنى سؤاله: "فما ﴿بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ﴾؟ ": الإنكار على ما سبق، بدلالة الفاء، أي: هب أن معنى "المشرقين" على التغليب، فما معنى تمنيهم بعد المشرق والمغرب؟ وأجاب: أن معنى "البعد" من: التباعد، ولذلك فإن الأصل: بعد المشرق عن المغرب، والمغرب عن المشرق، فإن التباعد يقتضي المزاولة طبعًا، فإذن لا يجتمعان أبدًا، بخلاف مطلق البعد، أي: يا ليت بيننا بعدًا مثل بعد المشرقين في أنهما لا يجتمعان أبدًا لما بينهما من التباعد، ومن ثم رتب عليه: ﴿فَبِئْسَ القَرِينُ﴾.


الصفحة التالية
Icon