كان رسول الله ﷺ يجد ويجتهد ويكدّ روحه في دعاء قومه، وهم لا يزيدون على دعائه إلا تصميمًا على الكفر وتماديًا في الغيّ، فأنكر عليه بقوله: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ﴾ إنكار تعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم، وأراد: أنه لا يقدر على ذلك منهم إلا هو وحده على سبيل الإلجاء والقسر، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر: ٢٢].
[﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ٤١ - ٤٣]
«ما» في قوله: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ بمنزلة لام القسم؛ في أنها إذا دخلت دخلت معها النون المؤكدة، والمعنى: فإن قبضناك قبل أن ننصرك عليهم ونشفي صدور المؤمنين منهم، ﴿فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ أشد الانتقام في الآخرة، كقوله تعالى: ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ﴾ [غافر: ٧٧]، وإن أردنا أن ننجز في حياتك ما وعدناهم من العذاب النازل بهم -وهو يوم بدر- فهم تحت ملكتنا وقدرتنا لا يفوتوننا.
وصفهم بشدة الشكيمة في الكفر والضلال، ثم أتبعه شدة الوعيد بعذاب الدنيا والآخرة.
وقرئ: "نرينك" بالنون الخفيفة. وقرئ: "بالذي أوحى إليك" على البناء للفاعل، وهو الله عز وجل، والمعنى: وسواء عجلنا لك الظفر والغلبة أو أخرنا إلى اليوم الآخر، فكن متمسكًا بماأوحينا إليك وبالعمل به،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لا يقدر على ذلك منهم إلا هو وحده): هذا الحصر مستفاد من إيلاء الضمير حرف الإنكار.