وقيل: إن النبي ﷺ جمع له الأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس فأمّهم، وقيل له: سلهم، فلم يشكك ولم يسأل. وقيل: معناه سل أمم من أرسلنا، وهم أهل الكتابين؛ التوراة والإنجيل. وعن الفراء: هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل، فإذا سألهم فكأنه سأل الأنبياء.
[﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ * فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ﴾ ٤٦ - ٤٧]
ما أجابوه به عند قوله: ﴿إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ محذوف، دل عليه قوله: ﴿فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا﴾ وهو مطالبتهم إياه بإحضار البينة على دعواه وإبراز الآية، ﴿إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ﴾ أي: يسخرون منها ويهزءون بها ويسمونها سحرًا، و"إذا" للمفاجأة.
فإن قلت: كيف جاز أن يجاب "لما" بـ"إذا" المفاجأة؟ قلت: لأنّ فعل المفاجأة معها مقدّر، وهو عامل النصب في محلها، كأنه قيل: فلما جاءهم بآياتنا فاجئوا وقت ضحكهم.
[﴿وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ٤٨]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فلم يشكك ولم تسأل): أي: ظاهر الأمر الوجوب، فإما أن يحمل السؤال على النظر مجازًا، والكلام مبني على الشرط، كأنه قيل: أن شككت فاسأل، كقوله تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ﴾ [يونس: ٩٤]، فلم يشكك ولم يسأل.
قوله: (وقيل: معناه: سل أمم من أرسلنا): وهم أهل الكتابين. الانتصاف: "يشهد له قوله: ﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٩٤] ".