وعطفه الزجاج على محل ﴿السَّاعَةِ﴾ [الزخرف: ٨٥]، كما تقول: عجبت من ضرب زيد وعمرًا، وحمل الجرّ على لفظ ﴿السَّاعَةِ﴾، والرفع على الابتداء، والخبر ما بعده، وجوّز عطفه على ﴿عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [الزخرف: ٨٥]، على تقدير حذف المضاف، معناه: عنده علم الساعة وعلم قيله.
والذي قالوه ليس بقوي في المعنى، مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضًا، ومع تنافر النظم، وأقوى من ذلك وأوجه: أن يكون الجرّ والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه، والرفع على قولهم: أيمن الله، وأمانة الله، ويمين الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي هذا التقريب التفات في غاية من اللطف، لأن أصل المعنى: وقلنا لك: ﴿ولَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ﴾ الآية، وقلت: ﴿يَا رَبِّ إنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾، وقلنا لك: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ﴾ فإنا ننتقم منهم. فعدل إلى الغيبة، فقال: وقال قيلًا؛ ليؤذن بأن ذلك القول إنما صدر عنه من اليأس التام، فكأنه كان غائبًا عن نفسه متحسرًا عليهم وإيمانهم وفوات سعيه فيهم.
وقريب من هذا التقرير: توجيهه على القسم؛ لأن إتيان المصدر لتعظيم المقول، أي: قال قوله الذي فيه فخامة وشأن، ثم فسره بقوله: ﴿يَا رَبِّ إنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ المؤذن بالإقناط الكلي المستلزم لاستئصال القوم، وتطهير الأرض من أنجاس إفسادهم، ولإصلاح المؤمنين، وإظهار دين الحق، كقوله تعالى: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: ٤٥]، فحقيق بأن يقسم بهذا الدعاء وأن يكون مظنة للتفخيم والتعظيم، وإليه الإشارة بقوله: "وإقسام الله بقيله رفع منه وتعظيم لدعائه".
قوله: (وعطفه الزجاج على محل ﴿السَّاعَةَ﴾): كما تقول: عجبت من ضرب زيد عمرًا، عطفًا على المحل، تقديره: عجبت من ضرب زيدًا وعمرًا، قال الزجاج: "والذي أختاره أنا أن يكون نصبًا على معنى: ﴿وعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ ويعلم قيله، لن معنى: ﴿وعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾: يعلم الساعة ويعلم قيله، ومعنى "الساعة" في القرآن: الوقت الذي تقوم فيه القيامة".