فقيل لهم: إنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب، ثم قيل: إن هذا الرب هو السميع العليم الذي أنتم مقرون به، ومعترفون بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما، إن كان إقراركم عن علم وإيقان، كما تقول: إنّ هذا إنعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العموم، وأن الأصل: ﴿مِنء رَبِّكُمْ﴾، وإليه الإشارة بقوله: "فقيل لهم: أن إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب"، فوضع "الرب" موضع "منا"؛ ليؤذن بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربين، وليكون تمهيدًا ينبني عليه التعليل المتضمن للتعريض؛ بتوسيط ضمير الفصل وتعريف الخبر، للإشعار بأن آلهتهم لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنهم شيئًا، وإلى التعليل والتعريض أشار بقوله: ﴿إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾. وما بعده تحقيق لربوبيته، وأنها لا تحق إلا لمن هذه أوصافه، وفي تخصيص ﴿السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ إدماج لمعنى التهديد والوعيد للكفار، والوعد للمؤمنين الذين تلقوا هذه النعمة بأنواع الشكر.
ثم نبه الكفار عن سنة الغفلة والتقاعد عن موجبات الشكر، فرجع إليهم من خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم، موبخًا بما اشتهر عندهم من الوصف الذي لا بد لهم أن يقروا به، فأبدل من ﴿السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾: ﴿رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾، يعني: هذا المذكور من إنزال الكتب وإرسال الرسول ﷺ رحمة وإنعام ممن تقرون به، وتقولون: إنه خالق السماوات والأرض وما بينهما، فما هذا التهاون، فاقبلوها واغتنموا الفرصة أن كنتم تدعون الإيقان.
وقد أشار إلى هذا المعنى بقوله: "إن بلغك حديثه"؛ لأن ذلك مشهور عنده، ولم يكن الإعلام إلا للتنبيه على التهاون؛ ليقام الشكر على إنعامه، والشرط يقتضي ذلك، لأنه من باب قول العامل: أن كنت عملت فأعطني حقي.