قلت: إذا أتت السماء بالدخان تضور المعذبون به من الكفار والمنافقين، وقالوا: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ منيبون، فيكشفه الله عنهم بعد أربعين يومًا، فريثما يكشفه عنهم يرتدون لا يتمهلون.
ثم قال: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى﴾ يريد: يوم القيامة، كقوله تعالى: ﴿فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى﴾ [النازعات: ٣٤]، ﴿إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ أي: ننتقم منهم في ذلك اليوم.
فإن قلت: بم انتصب ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ﴾؟ قلت: بما دل عليه ﴿إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا إذا حملناه على القحط الذي وقع بمكة استقام، فإنه نقل: أنه لما اشتد القحط فيها مشى أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناشده الرحم، وواعده- أن دعا لهم وأزال الله عنهم تلك البلية- أن يؤمنوا، فلما أزاله الله تعالى رجعوا إلى شركهم، أما إذا حملناه على أن المراد منه ظهور علامة القيامة لم يصح ذلك، لأن عند ظهور أشراط الساعة لا يمكنهم أن يقولوا: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إنَّا مُؤْمِنُونَ﴾، ولم يصح أيضًا أن يقال لهم: ﴿إنَّا كَاشِفُوا العَذَابِ قَلِيلًا إنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾.
والجواب: لم لا يجوز أن يكون ظهور هذه العلامة جاريًا مجرى ظهور سائر علامات القيامة في أنه لا يوجب انقطاع التكليف، فتحدث هذه الحالة، ثم أن الناس يخافون فيتضرعون، فإذا زالت تلك الواقعة عادوا إلى الكفر والفسق، وإذا كان هذا محتملًا استقام قوله: ﴿إنَّا كَاشِفُوا العَذَابِ﴾ مع القول بأن الدخان قبل يوم القيامة، أي: هو من أشراط الساعة".
قوله: (تضور المعذبون): الجوهري: "التضور: الصياح والتلوي عند الضرب أو الجوع"، وعن بعضهم: تضور: أي غلب عليهم الضعف، من قولهم: رجل ضورة، أي: ضعيف.
قوله: (لا يتمهلون): تمهل في أمر: أي: اتأد، وتمهل: أي: تقدم.