وهي الطاعة، أو نجعلكم بمنزلة الشيء المنسي غير المبالى به، كما لم تبالوا أنتم بلقاء يومكم، ولم تخطروه ببال، كالشيء الذي يطرح نسيًا منسيًا. فإن قلت: فما معنى إضافة اللقاء إلى اليوم؟ قلت: كمعنى إضافة المكر في قوله تعالى: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ﴾ [سبأ: ٣٣]، أي: نسيتم لقاء الله في يومكم هذا ولقاء جزائه.
وقرئ: "لا يخرجون" يفتح الياء، ﴿وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم، أي يرضوه.
[﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ٣٦ - ٣٧]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو نجعلكم بمنزلة الشيء المنسي): فعلى هذا النسيان وإسناده إلى الله على الاستعارة التمثيلية، ولذلك جاء بكاف التشبيه في قوله: "كالشيء الذي يطرح"، وعلى الأول: محمول على الغاية والنهاية، لأن من نسي شيئًا تركه، فيكون من وضع اسم السبب على المسبب.
قوله: (كمعنى إضافة المكر في قوله: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾): قال: "ومعنى ﴿مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾: مكرهم في الليل والنهار، فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به، وإضافة المكر إليه، أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازي".
وما نحن بصدده من القبيل الأول؛ لأن "اليوم" مفعول، وهو ملقىً لا لاق، إلا أن يقال: أن اللقاء مضاف إلى الفاعل، على أن ما تستقبله أنت فهو أيضًا يستقبلك، وعليه قراءة من قرأ: "فتلقى آدم من ربه كلمات"؛ بنصب "آدم" ورفع"كلمات"، ونحوه قوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَاتِيًّا﴾ [مريم: ٦١]، قال: " ﴿مَاتِيًّا﴾ مفعول بمعنى فاعل"؛ لأن وعد الله يأتي، وقال أبو البقاء: " ﴿مَاتِيًّا﴾ على بابه، لأن ما تأتيه فهو يأتيك".