ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما تقريره على ما رواه محيي السنة: "أن الآية نزلت في محاجة كانت من رسول الله ﷺ لقومه": فهو أن قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وكَفَرْتُم بِهِ﴾: أمر له صلوات الله عليه بالرد عليهم فيما طعنوا في القرآن، ولما كان قوله: ﴿مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ﴾ قرينةً له، اقتضى أيضًا أن يكون مثل ذلك في الرد، وكذا قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
أما الأول: فهو أن قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أمر لرسول الله ﷺ بالرد عليهم، وذلك أن قوله: ﴿وإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾، والإضراب عنه بقوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ أوجب أن يقال لهم: أخبروني أن القرآن الذي تنسبونه إلى السحر تارة، وإلى الافتراء أخرى- مع أنكم عرفتم أنه حق وصدق محض، وأنه من عند الله، لما جربتم به قواكم، وعجزتم عن الإتيان بمثل أقصر سوره، وأنتم أرباب البلاغة وفرسان البيان، ولما تضمن الدعوة إلى التوحيد ومكارم الأخلاق- أن كان من عند الله أما تكونون ظالمين؟ يدل على هذه المعاني تصريح قوله: ﴿لِلْحَقِّ﴾ بعد ذكر ﴿آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾.
وأخبروني أيضًا: أن يشهد بذلك أعلم علماء أهل الكتاب مما يجده في الوحي النازل: أما تكونون ظالمين وأخس الناس وأضلهم عن طريق الحق؟، أفلا تتفكرون وتتركون العناد والإعراض؟ فأضيف إلى دليل العقل دليل السمع.
وأما الثالث: فهو أن قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ رد آخر، وذلك أن قوله: ﴿مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ والأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا إلاَّ بِالْحَقِّ وأَجَلٍ مُّسَمًّى والَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾ [الأحقاف: ٣] دل على أن القوم أعرضوا عن قبول القول بالحشر والإقرار بالتوحيد، وأبوا إلا الشرك والمعاندة، فقيل: قل لهم: ﴿مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ﴾، إلى قوله: ﴿وإذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً﴾ [الأحقاف: ٦].
وأما الثاني: فهو أن قوله: ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ﴾ رد آخر، وبيان ذلك أن قوله: {وَالَّذِينَ


الصفحة التالية
Icon