وقولهم: ﴿إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ كقولهم: أساطير الأوّلين.
﴿كِتابُ مُوسى﴾ مبتدأ، ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ﴾ ظرف واقع خبرًا مقدمًا عليه، وهو ناصب ﴿إِمَامًا﴾ على الحال، كقولك: في الدار زيد قائمًا. وقرئ: "ومن قبله كتاب موسى"؛ على: وآتينا الذين قبله التوراة. ومعنى ﴿إِمَامًا﴾: قدوة يؤتم به في دين الله وشرائعه، كما يؤتم بالإمام، ﴿وَرَحْمَةً﴾ لمن آمن به وعمل بما فيه، ﴿وَهَذَا﴾ القرآن ﴿كِتابٌ مُصَدِّقٌ﴾ لكتاب موسى، أو: لما بين يديه وتقدّمه من جميع الكتب. وقرئ: "مصدق لما بين يديه".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿كِتَابُ مُوسَى﴾ مبتدأ، ﴿ومِن قَبْلِهِ﴾ ظرف واقع خبرًا): وقلت: لو روعي التناسب بين القرينتين ويقال: ﴿كِتَابُ مُوسَى﴾ فاعل الظرف على مذهب الأخفش، وقد ذكره صاحب "الكشف"، كان أحسن، ولم يلزم التقديم الذي لا يفيد هنا معنى التخصيص إليه، ولا الفصل بين الحال وعاملها، ويكون المعنى: حصل ومضى من قبله كتاب موسى إمامًا، وميز وشوهد عيانًا أن كتابك هذا مصدق معجز، وأطلق ﴿مُصَدِّقٌ﴾، ولم يقل: "مصدق له"، أي: لكتاب موسى؛ تعميمًا وإيذانًا بأنه مصدق للكتب السماوية كلها، لاسيما نفسه، لكونه معجزًا نازلًا بلسان عربي مبين، تحدي به العرب العرباء، فأفحموا، ومع ذلك أنه نذير للذين ظلموا بشير للمحسنين.
وإنما عدل عن "العادلين" إلى "المحسنين" ليكون ذريعةً إلى البشارة بقوله: ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ لمن قال: ﴿رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، وقيل: ﴿لِلْمُحْسِنِينَ﴾ دون "الذين أحسنوا"، بعد قوله: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، أي: لينذر الذين وجد منهم الظلم، ويبشر الذين ثبتوا واستقاموا على الإحسان والإخلاص، إعلامًا بأن الإنسان مفتقر إلى ما يهذب به نفسه ويقوم أوده كل الافتقار؛ لأن الاستقامة على الصراط السوي لا توجد إلا في الأفراد، ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣].