﴿بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ﴾ أي: غابوا عن نصرتهم، ﴿وَذلِكَ﴾ إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم لهم وضلالهم عنهم، أي: وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة، وثمرة شركهم وافترائهم على الله الكذب من كونه ذا شركاء.
وقرئ: "أفكهم": والإفك والأفك: كالحِذر والحَذر. وقرئ: "وذلك أفكهم"، أي: وذلك الاتخاذ الذي هذا أثره وثمرته صرفهم عن الحق. وقرئ: "أفَّكهم" على التشديد للمبالغة، و"آفكهم" جعلهم آفكين، و"آفكهم"، أي: قولهم الآفك ذو الإفك، كما تقول: قول كاذب، و"ذلك إفك مما كانوا يفترون"، أي: بعض ما كانوا يفترون من الإفك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاعتبار: هو التقريع والتوبيخ على عدم الشفاعة والنصرة التي جعلوها وسيلةً إليها وغرضًا في اتخاذهم آلهةً معبودة، حيث أولي كلمة التخضيض لفظ النصرة، ولو جعل مبدلًا لانعكس، سواء جعل في حكم الساقط أو توطئةً وتمهيدًا للبدل، لأن التوطئة غير مقصودة بالذات، وبه لوح في قوله: "أي: اتخذوهم شفعاء متقربًا بهم إلى الله، حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا". ولو حمل على المفعول له صح أيضًا، وأفاد المقصود.
وقول من قال: إن ﴿قُرْبَانًا آلِهَةً﴾ مفعولان: أشد فسادًا؛ لما يؤدي إلى صيرورة الناصر والمنصور- في قوله: ﴿فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ - واحدًا، لأن الضمير في ﴿اتَّخَذُوا﴾ حينئذ راجع إلى الموصول. والمعنى الصحيح- كما ذهب إليه المصنف-: هلا نصر هؤلاء الكفار الذين اتخذوهم آلهة من دون الله متقربًا بهم إلى الله.
قوله: (وقرئ: "وذلك أفكهم"): وقال مكي: "وهو فعل ماض، و"ما" في موضع رفع أيضًا؛ عطف على ذلك، وقيل: على المضمر المرفوع في "أفكهم"، وحسن ذلك للتفرقة بالمضمر المنصوب بينهما، فقام مقام التأكيد".
قوله: (و"ذلك إفك مما كانوا يفترون"): أي: وقرئ: "إفك"، ومعنى هذه القراءة راجع إلى الأولى، لأن عطف ﴿ومَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ على ﴿إفْكُهُمْ﴾ من باب عطف العام على الخاص،


الصفحة التالية
Icon