ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فانطلقت، فتضعفت رجلًا من أهل مكة، فقلت: أين هذا الذي تزعمونه الصابئ؟ فأشار إلي وقال: الصابئ الصابئ، فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم وحجر، فخررت مغشيًا علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدم، وشربت من مائها، ثم دخلت بين الكعبة وأستارها، فلبثت بها ثلاثين، ما بين يوم وليلة، وما لي بها طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان، قد ضرب الله على أصمختهم، فما يطوف بالبيت غير امرأتين، فأتتا علي وهما تدعوان إسافًا ونائلًا، فقلت: أنكحوا إحداهما الأخرى، فما ثناهما ذلك، فقلت، وذكرت كلامًا فاحشًا لم يكن عنه، فانطلقتا وهما تقولان: لو كان ها هنا أحد من أنفارنا، فاستقبلها رسول الله ﷺ وأبو بكر رضي الله عنه بالليل، وهما هابطان من الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لكما؟ قالتا: صابئ بين الكعبة وأستارها، قال: فما قال لكما: فقالتا: كلمةً تملأ الفم.
ثم ذكر خروجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسليمه عليه، وأنه أول من حياه بتحيةً الإسلام، وقال: فذهبت لأقبل بين عينيه، فقدعني عنه صاحبه.
قوله: الريث: الإبطاء، ورجل ريث، وعن الفراء: رجل مريث العينين: إذا كان بطيء النظر. أقراء الشعر: أنحاؤه وأنواعه، جمع قرو، ويقال للبيتين أو القصيدتين: هما على قرو واحد، وقري واحد. وشنف وشنئ: أخوان، ولكن شنف لا يتعدى إلا باللام. تجهمه: كلح في وجهه وغلظ له في القول، تضعفته: استضعفته، النصب والنصب: حجر كانوا ينصبونه فيعبد وتصب عليه دماء الذبائح. يقال: وجدت سخفةً من جوع، وهي الخفة تعتري الإنسان إذا جاع، من السخف، وهي الخفة في العقل. يقال: ليلة ضحياء وإضحيان وإضحيانة، وهي المقمرة من أولها إلى آخرها، وإفعلان: مما قل في كلامهم.


الصفحة التالية
Icon