فانطلقنا، حتى إذا كنا بأعلى مكة في شعب الحجون، فخط لي خطًا، وقال: "لا تخرج منه حتى أعود إليك"، ثم افتتح القرآن، وسمعت لغطًا شديدًا، حتى خفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه، حتى ما أسمع صوته، ثم انقطعوا كقطع السحاب، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل رأيت شيئا؟ ". قلت: نعمن رجالًا سودًا مستثفري ثياب بيض. فقال: "أولئك جنّ نصيبين"، وكانوا اثني عشر ألفًا، والسورة التي قرأها عليهم: ﴿اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١].
فإن قلت: كيف قالوا: ﴿مِنْ بَعْدِ مُوسى﴾؟ قلت: عن عطاء: أنهم كانوا على اليهودية. وعن ابن عباس: إنّ الجنّ لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام، فلذلك قالت: ﴿مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾. فإن قلت: لم بعّض في قوله: ﴿مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصفهما خلفه، ثم صلى بنا، فقلت: من هؤلاء يا رسول الله؟ قال: جن نصيبين".
قوله: (في شعب الحجون): الحجون: موضع فيه مقابر مكة، أنشد لجرهم:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا.... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا.... صروف الليالي والجدود العواثر
قوله: (أسودة): النهاية: " أسودة: جمع قلة لـ"سواد"، وهو الشخص، لأنه يرى من بعيد أسود".
قوله: (مستثفري ثياب): النهاية: "وهو أن يدخل الرجل ثوبه بين رجليه، كما يفعل الكلب بذنبه".


الصفحة التالية
Icon