ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشد توغلًا في الضلال من ضلال الشخص، كما أن قوله: ﴿وآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾ كذلك، ولذلك قال: " ﴿وآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾: اختصاص للإيمان بالمنزل على رسول الله ﷺ من بين ما يجب الإيمان به"، فالمعنى: فالذين كفروا وما آمنوا بما نزل على محمد وصدوا غيرهم عن الإيمان به، واغتروا بما كانوا عليه من مكارم الأخلاق: أبطل الله أعمالهم.
وفي قوله: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾ واعتراضه بين الكلام: إيذان بأن أعمال أولئك لسادة ثابتة غير زائلة، لأن "الحق" في مقابلة "الباطل"، قال الواحدي: " ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾: سترها عليهم بأن غفرها، فلا يحاسبون عليها يوم القيامة، وليس كما أضل أعمال الكفار".
وقلت: وفيه الإشعار بأن أعمال الكفار- وإن كانت حسنات- يضلها الله تعالى في غمرات كفرهم وحزمان متابعة الحق المنزل من عند الله، وأن سيئات المؤمنين يسترها الله في كنف إيمانهم ومتابعتهم الحق، وإليه وقعت الإشارة بقوله: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾.
وفيه إدماج لإبطال قول من يقول باستقلال العقل، وأن الأوضاع الشرعية مكملة للناقصين، وهم كملة مهذبون لا يفتقرون إليها، ولهدم قاعدة الحسن والقبح العقلي.
ثم إنه تعالى أكد هذا المعنى بتعقيب قول: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا البَاطِلَ﴾ الآية؛ إيضاحًا وبيانًا لما أوقع تعريضًا في قوله: ﴿وهُوَ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾ بإهدار أعمال الكافرين، وكالتعليل لتكفير سيئات المؤمنين، وإصلاح بالهم، وإليه الإشارة بقوله: "وهذا الكلام يسميه علماء البيان: التفسير"، ومن باب التفسير ما أنشده لنفسه: