ودخوله في حيزه، وانخراطه في سلكه، وهو قوله: ﴿أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾، فكأنه قيل: أمثل الجنة كمن هو خالد في النار؟ أي كمثل جزاء من هو خالد في النار.
فإن قلت: فلم عرّي في حرف الإنكار، وما فائدة التعرية؟ قلت: تعريته من حرف الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من يسوّى بين المتمسك بالبينة والتابع لهواه، وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجرى فيها تلك الأنهار، وبين النار التي يسقى أهلها الحميم، ونظيره قول القائل:
أفرح أن أرزأ الكرام وأن.... أورث ذودًا شصائصًا نبلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن بعضهم: أن الهمزة في ﴿أَفَمَنْ كَانَ﴾ توقيف وتقرير، لأن الجواب معلوم، كما أنك إذا قلت: من يفعل السيئات يشق، ومن يفعل الحسنات يسعد، ثم قلت: الشقاء أحب إليك أم السعادة؟ فقد علم أن الجواب: السعادة، فهذا مجرى همزة التوقيف والتقرير.
الراغب: "من: عبارة عن الناطقين، ولا يعبر به عن غير الناطقين إلا إذا جمع بينهم وبين غيرهم، كقولك: رأيت من في الدار من الناس والبهائم، أو يكون تفصيلًا لجملة يدخل فيهم الناطقون، كقوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمء مَنْ يَمْشِي﴾ [النور: ٤٥] الآية، ولا يعبر عن الناطقين إذا تفرد، لهذا قال بعض المحدثين في صفة أغنام نفى عنهم الإنسانية:
تخطي إذا جئت في استفهامهم بـ "من"
تنبيهًا على أنهم حيوان أو دون الحيوان".
قوله: (أفرح أن أرزأ الكرام) البيت: شصوص: وهي الناقة القليلة اللبن، النبل- بالضم-: جمع نبلة، وبالفتح: جمع نبيل، ككرم وكرم، والنبل أيضًا: صغار الإبل، وهو


الصفحة التالية
Icon