أي: الدائرة التي يذمونها ويسخطونها، فهي عندهم دائرة سوء، وعند المؤمنين دائرة صدق.
فإن قلت: هل من فرق بين السُّوء والسَّوء؟ قلت:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فهي عندهم دائرة سوء، وعند المؤمنين دائرة صدق): الأساس: "ودارت به دوائر الزمان، وهي صروفه، ويتربص بكم الدوائر"، الراغب: "الدائرة: الخط المحيط، ثم عبر بها عن الحادثة، والدورة والدائرة في المكروه: كالدولة في المحبوب، قال تعالى: ﴿نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾ [المائدة: ٥٢]، ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ [التوبة: ٩٨]، أي: يحيط بهم السوء إحاطة الدائرة بمن فيها، فلا سبيل إلى الانفكاك منه بوجه"، وسبق تمام تقرير"الدائرة" في آخر المائدة.
قوله: (هل من فرق بين السوء والسوء): فإن قلت: هل السؤال مستدرك، لأنه قال: "والسوء_ أي: بالضم_: الهلاك والدمار، وقرئ: ﴿دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ بالفتح، أي: الدائرة التي يذمونها"؟ قلت: لا، لأنه ذكره مجملًا بحسب الاستعمال، فسأل ليشرحه مفصلًا بحسب اللغة أيضًا.
اعلم أن الدائرة مطلقة يصح استعمالها في العذاب مرة، وفي الذم تارة، وفي الصدق أخرى، ولذلك قال: "وعند المؤمنين دائرة صدق"، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة للبيان على المبالغة، قال في سورة براءة: "السوء: بالضم، وهو العذاب، والسوء: بالفتح، وهو ذم للدائرة، كقولك: رجل سوء، في نقيض قولك: رجل صدق، لأن من درات عليه ذام لها".
ولما كان "السوء" بالضم ظاهرًا في معنى العذاب والهلاك، لم يحتج إلى التأويل، وبالفتح بمعنى الذم لم يكن مطلقًا، لأنها بالنسبة إلى لمؤمنين محمودة، احتيج إلى تأويل "الدائرة"، وأن يقال: إنها بالنسبة إلى الكافرين مذمومة، لأن من دارت عليه ذام لها، وهو المراد من قوله: "وكانت الدائرة محمودة، فكان حقها أن لا تضاف إليه إلا على التأويل الذي ذكرنا"، يعني:


الصفحة التالية
Icon