ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا ساقط عند سيبويه، وذلك أن ذلك الموضوع من الإعراب لما لم يخرج إلى اللفظ سقط حكمه، وجرت الجملة ذات الموضع كغيرها من الجملة غير ذات الموضع، كما أن الضمير في اسم الفاعل لما لم يظهر إلى اللفظ جرى مجرى ما لا ضمير فيه، فقيل في تثنيته: قائمان، كما قيل: فرسان ورجلان، بل إذا كان اسم الفاعل قد يظهر ضميره إذا جرى على غير من هوله، ثم أجري مع ذلك مجرى ما لا ضمير فيه لما لم يظهر في بعض الموضع، كان ما لا يظهر فيه الإعراب أصلًا أحرى أن يسقط الاعتداد به". تم كلام ابن جني.
وأما تلخيص الكلام: فهو أن يقال: لا بد من تأويل ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ﴾ بالأمر؛ ليستقيم المعنى، ولا نقول: إنه يمتنع الحمل على الإخبار لأجل كلمة"أو" لأنها موضوعة للشك، وهو في حق الله تعالى محال، وكيف نقول به ونحن نعلم يقينًا أن "أو" في الأخبار ليست منحصرة في الشك، لأن "أو" التنويعية، وهي أن تأتي لأحد الأمرين إذا كان المخبر عنه لا ينفك عن أحدهما، نحو: الجسم إما أن يكون ساكنًا أو متحركًا، بل نقول: إنما يمتنع الإخبار لأن قوله: ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ ليس من هذا القبيل؛ لما نرى أن الوجود ينفك عنهما، وهو أن لا تحصل مقاتلة هؤلاء ولا إسلام أولئك، إما بالهذنة أو أن يتركوا سدى.
وإذا ثبت أن ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ﴾ في معنى الأمر: فلا يخلو من أن يحمل ﴿يُسْلِمُونَ﴾ على الأمر أيضًا أم لا. فالمعنى على الأول: الواجب عليكم إما القتال وإما الإسلام منهم. ويرجع المعنى على الثاني إلى الإخبار بأن أحد الأمرين لا ينفك عنه الوجود؛ إما وجوب القتال منكم أو حصول الإسلام منهم، وإنما يستقيم هذا على الأمر، لأن الأمر للوجوب، وليس الإخبار بحصول وجوب القتال كالإخبار بحصول وقوع القتال.