فمنعه الأحابيش، فلما رجع دعا بعمر رضي الله عنه ليبعثه، فقال: إني أخافهم على نفسي، لما عرف من عداوتي إياهم، وما بمكة عدوىّ يمنعني، ولكنى أدلك على رجل هو أعز بها مني، وأحب إليهم؛ عثمان بن عفان، فبعثه، فخبرهم أنه لم يأت بحرب، وإنما جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحرمته، فوقروه، وقالوا: إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل، فقال: ما كنت لأطوف قبل أن يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتبس عندهم، فأرجف بأنهم قتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نبرح حتى نناجز القوم"، ودعا الناس إلى البيعة، فبايعوه تحت الشجرة، وكانت سمرة، قال جابر بن عبد الله: لو كنت أبصر لأريتكم مكانها.
وقيل: كان رسول الله ﷺ جالسًا في أصل الشجرة، وعلى ظهره غصن من أغصانها، قال عبد الله بن المغفل: وكنت قائمًا على رأسه وبيدي غصن من الشجرة أذب عنه، فرفعت الغصن عن ظهره، فبايعوه على الموت دونه، وعلى أن لا يفروا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم اليوم خير أهل الأرض».
وكان عدد المبايعين ألفًا وخمس مئة وخمسة وعشرين، وقيل: ألفًا وأربع مئة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الأحابيش): عن بعضهم: واحدها: أحبوش، وهو الفرج من قبائل شتى، يقال: تحبشوا من كل قبيلة، أي: تجمعوا، فصار لهم سواد لكثرتهم، فشبهوا بالحبش.
قوله: (عثمان بن عفان): يروى مرفوعًا ومفتوحًا؛ فالرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف، والفتح على أن يكون بدلًا من "رجل".
قوله: (حتى نناجز): الجوهري: المناجزة في الحرب: المبارزة والمقاتلة".
قوله: (وقيل: ألفًا وأربع مئة): هذا هو الصحيح، كما رويناه في حديث مسلم في البيعة، قال: "كنا أربع عشرة مئة"، وعن البخاري في حديث نزح بئر الحديبية.