من الجولة، ﴿قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها﴾ أي: قدر عليها واستولى، وأظهركم عليها، وغنمكموها.
ويجوز في "أُخْرى": النصب بفعل مضمر، يفسره ﴿قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها﴾، تقديره: وقضى الله أخرى قد أحاط بها، وأما ﴿لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها﴾ فصفة لـ"أخرى"، والرفع على الابتداء؛ لكونها موصوفة بـ ﴿لَمْ تَقْدِرُوا﴾، و ﴿قَدْ أَحَاطَ اللهُ بِهَا﴾: خبر المبتدأ، والجرّ بإضمار "رب".
فإن قلت: قوله تعالى: ﴿وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: ٢٠]، كيف موقعه؟ قلت: هو كلام معترض، ومعناه: ولتكون الكفة آية للمؤمنين فعل ذلك، ويجوز أن يكون المعنى: وعدكم المغانم، فعجل هذه الغنيمة وكف الأعداء لينفعكم بها، ولتكون آية للمؤمنين إذا وجدوا وعد الله بها صادقًا، لأنّ صدق الإخبار عن الغيوب معجزة وآية، ويزيدكم بذلك هداية وإيقانًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الجولة): النهاية: "في حديث الصديق: "أن للباطل نزوة، ولأهل الحق جولة"، أي: غلبة؛ من: جال في الحرب على قرنه يجول"، وعن بعضهم: وهي عبارة عن هزيمة المسلمين، فأحسن في العبارة عنها على عادة المترسلين، وقيل: الجولة: هي الهزيمة مع الرجوع إلى القتال، ثم الهزيمة، ثم الرجوع.
قوله: (والجر بإضمار): أي في "أخرى"، وعلى هذا ﴿لَمْ تَقْدِرُوا﴾ صفة، و ﴿قَدْ أَحَاطَ﴾ جواب "رب".
قوله: (ولتكون الكفة آية للمؤمنين): عن بعضهم: فإن قيل: ما وجه المنة في كف أيدي المؤمنين عن الكافرين؟ قلت: وجهه ما بعده من قوله: ﴿ولَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ﴾ [الفتح: ٢٥] الآية.
قوله: (ويجوز أن يكون المعنى: وعدكم): فعلى هذا: ﴿ولِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ عطف على علة أخرى محذوفة، وعلى أن تكون معترضة: المعلل محذوف.


الصفحة التالية
Icon