وأن لا يمشى بين يديه إلا لحاجة، وأن يستأنى في الافتتاح بالطعام.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ فإنكم إن اتقيتموه عاقتكم التقوى عن التقدمة المنهي عنها، وعن جميع ما تقتضي مراقبة الله تجنبه، فإن التقيّ حذر لا يشافه أمرًا إلا عن ارتفاع الريب وانجلاء الشك في أن لا تبعة عليه فيه،...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: أي: فرق بين هذا القول وما سبق في القول الأول: "وقد جرت هذه العبارة على سنن ضرب من المجازة"؟ قلت: ذلك مجاز باعتبار التمثيل وتشبيه معقول بمحسوس كما سبق، والمفعول مقدر، كما أشار إليه بقوله: "والمعنى: أن لا تقطعوا أمر إلا بعد ما يحكمان به، ويأذنان فيه"، فلا يقدر معنى الحقيقة فيه بنحو: "وأن لا يمشى بين يديه"، وهذا مجاز باعتبار القدر المشترك، وأن الحقيقة فرد من أفراد ذلك المجاز، وإليه أومئ في أول السورة: "ويتوجه النهي إلى نفس التقدمة"، ويسمى في الأصول بعموم المجاز، وفي الصناعة بالكناية، لأنها لا تنافي إرادة الحقيقة أيضًا.
قول: (وأن يستأنى): الجوهري: "تأنى في الأمر: ترفق وتنظر، واستأنى به؛ أي: انتظر به".
قوله: (لا يشافه أمرًا): الأساس: "شافهت البلد والأمر: إذا دانيته".
قوله: (في أن لا تبعة عليه): متعلق ب"الشك"، أي: التقي لا يداني ولا يقارب أمرًا متجاوزًا عن حالة من الأوحوال إلا عن حالة اجتهد فيها، وكشف عنها، ورفع الشك في أنه لا تبعة عليه في مباشرة ذلك الأمر، وهو مقتبس من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبلغ العبد أن يكون