ولكن أي قطر من أقطارها الظاهرة كان مطلقًا بغير تعيين واختصاص، والإنكار لم يتوجه عليهم من قبل أنّ النداء وقع منهم في أدبار الحجرات أو في وجوهها، وإنما أنكر عليهم أنهم نادوه من البرّ والخارج مناداة الأجلاف بعضهم لبعض، من غير قصد إلى جهة دون جهة.
والحجرة: الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها، وحظيرة الإبل تسمى: الحجرة، وهي فعلة، بمعنى: مفعولة، كالغرفة والقبضة، وجمعها: الحجرات؛ بضمتين، والحجرات؛ بفتح الجيم، والحجرات؛ بتسكينها، وقرئ بهنّ جميعًا. والمراد: حجرات نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت لكل واحدة منهنّ حجرة.
ومناداتهم من ورائها: يحتمل أنهم قد تفرّقوا على الحجرات متطلبين له، فناداه بعض من وراء هذه، وبعض من وراء تلك، وأنهم قد أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها، وأنهم نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها، ولكنها جمعت إجلالًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمكان حرمته.
والفعل وإن كان مسندًا إلى جميعهم، فإنه يجوز أن يتولاه بعضهم، وكان الباقون راضين، فكأنهم تولوه جميعًا، فقد ذكر الأصم: أنّ الذي ناداه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الحجرات؛ بضمتين): وهي المشهورة، قال الزجاج: "تقرأ ﴿الْحُجُرَاتِ﴾ بضم الجيم، ويجوز بتسكينها، ولا أعلم أحدًا قرأ به، وواحد "الحجرات": حجرة، والفتح بدل من الضمة لثقل الضمتين".
قوله: (ولكنها جمعت إجلالًا): عن بعضهم: قولك: "في مجالسك" أبلغ من قولك: "في مجلسك"، كأن الجمع يبطل خصوصية حجرة دون حجرة.


الصفحة التالية
Icon