وأما كونه مصدرًا من غير فعله، فأن يوضع موضع "رشدًا"، لأنّ رشدهم فضل من الله لكونهم موفقين فيه. والفضل والنعمة: بمعنى الإفضال والإنعام.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بأحوال المؤمنين وما بينهم من التمايز والتفاضل، ﴿حَكِيمٌ﴾ حين يفضل وينعم بالتوفيق على أفاضلهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الانتصاف: "قد بينا أن "الرشد" مخلوق لله تعالى، فلا سؤال من هذا الوجه، بل من جهة أن الله تعالى خاطب خلقه باللغة المعهودة، وفيها نسبة الفعل إلى فاعل حقيقة كان أو مجازًا، فـ"زيد" في "مات زيد": فاعل، وقد نسب"الرشد" إليهم على أساس أنهم فاعلوه، وإن كان مجازًا في الاعتقاد، فيجاب عنه بجواب الزمخشري، أو بأن الرشد هاهنا يستلزم كون الله مرشدًا، إذ هو مطاوع" أرشده فرشد"، فتصح المطابقة. وهو عكس قوله: ﴿يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [الرعد: ١٢]، لأنهم هناك مفعولون في معنى الفاعلين، فصح بواسطته استلزام المطاوعة، فتصحح مسألة البرق بتقدير المفعول، وتصحح هذه بتقدير الفاعل".
وقلت: لعل تقدير الأول: هو الذي يريكم البرق فرأيتموه خائفين طامعين، والثاني: أولئك هم الراشدون بأن أرشدهم الله فضلًا ونعمة.
قوله: (وأما كونه مصدرًا من غير فعله): ذكر أن ﴿فَضْلًا﴾: إما مفعول له أو مصدر، وكما فرع من بيان الأول، شرع في بيان الثاني، وقال: أما كونه مصدرًا من غير فعله، فإن الأصل: أولئك هم الراشدون رشدًا، فوضع موضع"رشدًا": ﴿فَضْلًا﴾؛ لأن رشدهم كان مسببًا عن فضل الله، ولولا فضله لما رشدوا.
وقوله: (يفضل وينعم بالتوفيق على أفاضلهم): والضمير للصحابة، والأفاضل: من حبب إليه الإيمان، كما قال: "لأن الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم صفة المقدم ذكرهم".


الصفحة التالية
Icon