وإما أن تكون إحداهما الباغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب، فإن فعلت أصلح بينهما وبين المبغى عليها بالقسط والعدل، وفي ذلك تفاصيل: إن كانت الباغية من قلة العدد بحيث لا منعة لها، ضمنت بعد الفيئة ما جنت، وإن كانت كثيرة ذات منعة وشوكة لم تضمن، إلا عند محمد بن الحسن رحمه الله، فإنه كان يفتي بأن الضمان يلزمها إذا فاءت. وأمّا قبل التجمع والتجند أو حين تتفرق عند وضع الحرب أوزارها، فما جنته ضمنته عند الجميع.
فمحمل الإصلاح بالعدل في قوله: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ﴾ على مذهب محمد: واضح منطبق على لفظ التنزيل، وعلى قول غيره: وجهه: أن يحمل على كون الفئة قليلة العدد، والذي ذكروا أن الغرض إماتة الضغائن وسل الأحقاد، دون ضمان الجنايات: ليس بحسن الطباق للمأمور به من أعمال العدل ومراعاة القسط.
فإن قلت: فلم قرن بالإصلاح الثاني العدل دون الأوّل؟ قلت: لأنّ المراد بالاقتتال في أول الآية: أن تقتتلا باغيتين معًا، أو راكبتي شبهة، وأيتهما كانت: فالذي يجب على المسلمين أن يأخذوا به في شأنهما:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وفي ذلك تفاصيل): أي: في القسط والعدل.
قوله: (إن كانت الباغية): شروع في التفصيل.
قوله: (منطبق على لفظ التنزيل): فإن قوله: ﴿فَإن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا﴾ إلى آخره، يقتضي لزوم الضمان إذا فاءت مطلقًا، قليلة كانت أو كثيرة.
قوله: (أن يحمل على كون الفئة قليلة العدد): أي: يحتمل حكم الآية على هذا الوجه، دون الوجه الثاني.
قوله: (ليس بحسن الطباق للمأمور به): أي: المأمور به_ وهو العدل، بقوله: ﴿وأَقْسِطُوا﴾ _ مطلق متناول لجميع ما يطلق عليه اسم العدل، وكذا تقييد ﴿فَأَصْلِحُوا﴾ بقوله: ﴿بِالْعَدْلِ﴾،


الصفحة التالية
Icon