﴿وَأَقْسِطُوا﴾ أمر باستعمال القسط على طريق العموم، بعد ما أمر به في إصلاح ذات البين، والقول فيه مثله في الأمر باتقاء الله على عقب النهى عن التقديم بين يديه.
والقسط -بالفتح-: الجور؛ من القَسط، وهو اعوجاج في الرجلين، وعود قاسط: يابس، وأقسطته الرياح. وأمّا القِسط بمعنى: العدل، فالفعل منه: أقسط، وهمزته للسلب، أي: أزال القسط، وهو الجور.
[﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ١٠]
هذا تقرير لما ألزمه من تولى الإصلاح بين من وقعت بينهم المشاقة من المؤمنين، وبيان أن الإيمان قد عقد بين أهله -من السبب القريب والنسب اللاصق- ما إن لم يفضل الأخوّة ولم يبرز عليها، لم ينقص عنها، ولم يتقاصر عن غايتها.
ثم قد جرت عادة الناس على أنه إذا نشب مثل ذلك بين اثنين من إخوة الولاد، لزم السائر أن يتناهضوا في رفعه وإزاحته، ويركبوا الصعب والذلول؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والقول فيه مثله في الأمر باتقاء الله): وقال فيه: "هذا كما تقول لمن يقارب بعض الرذائل: لا تفعل هذا، وتحفظ مما يلصق بك العار".
فعلى هذا قوله: ﴿وأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ من عطف العام على الخاص، أو تذييل للسابق وتقرير له، وقوله: ﴿إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ﴾ تعليل للأمر بالإصلاح بين الطائفتين من المؤمنين، ولما كان التعليل إنما يؤتى به، فيثبت المعلل ويقرره، قال: "هذا تقرير لما ألزمه من تولي الإصلاح".
قوله: (ما أن لم يفضل): "ما": بمعنى: شيء، و"إن": شرطية، والجواب: "لم ينقص"، والجملة مفعول "عقد".
قوله: (ولم يبرز): لم يفق، الأساس: "برز على الغاية وعلى الأقران".


الصفحة التالية
Icon