والمعنى: ليس المؤمنون إلا إخوة، وأنهم خلص لذلك متمحضون، قد انزاحت عنهم شبهات الأجنبية، وأبى لطف حالهم في التمازج والاتحاد أن يقدموا على ما يتولد منه التقاطع، فبادروا قطع ما يقع من ذلك -إن وقع- واحسموه.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ فإنكم إن فعلتم لم تحملكم التقوى إلا على التواصل، والائتلاف، والمسارعة إلى إماطة ما يفرط منه، وكان عند فعلكم ذلك وصول رحمة الله إليكم، واشتمال رأفته عليكم، حقيقًا بأن تعقدوا به رجاءكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والمعنى: ليس المؤمنون إلا إخوة، وأنهم خلص لذلك) إلى قوله: (فبادروا قطع ما يقع من ذلك): إشارة إلى ترتيب قوله: ﴿فَأَصْلِحُوا﴾ على وصف الأخوة، وأن في أداة الحصر الدلالة على دفع الزاعم أن أخوة الإيمان متقاصرة عن أخوة النسب، ومفضولة عنها، وإليه الإشارة بقوله فيما سبق: "وبيان أن الإيمان قد عقد بين أهله من السبب القريب، والنسب اللاصق، ما أن لم يفضل الأخوة، لم ينقص عنها"، وأن في جعل ﴿إخْوَةٌ﴾ خبرًا لـ ﴿إنَّمَا المُؤْمِنُونَ﴾ التشبيه الذي في قوله: إنما زيد أسد، ووجه الشبه: هو ما يفهم من قوله: "ثم قد جرت عادة الناس على أنه أن نشب مثل ذلك بين اثنين من إخوة الولاد، لزم السائر أن يتناهضوا في رفعه" إلى آخره، ولذلك قال: "فبادروا".
ثم قوله: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ تذييل للكلام، كأنه قيل: هذا الإصلاح من جملة التقوى، فإذا فعلتم التقوى دخل فيه هذا التواصل، وإليه الإشارة بقوله: "فإنكم أن فعلتم لم تحملكم التقوى إلا على التواصل"، ويجوز أن يكون عطفًا على ﴿فَأَصْلِحُوا﴾، أي: واصلوا بين أخويكم بالصلح، واحذروا الله من أن تتهاونوا فيه.
ثم علل ذلك بقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، و"لعل" من الله في الله في هذا المقام: إطماع من الكريم الرحيم، إذا أطمع فعل ما يطمع فيه لا محالة، ولهذا قال: "وكان عند فعلكم ذلك وصول رحمة الله إليكم"، إلى قوله: "حقيقًا بأن تعقدوا به رجاءكم".


الصفحة التالية
Icon