ويحل بهم مكروه، وإذا علم أنّ مخوفًا أظلهم، لزمه أن ينذرهم ويحذرهم، فكيف بما هو غاية المخاوف ونهاية المحاذير، وإنكار لتعجبهم مما أنذرهم به من البعث، مع علمهم بقدرة الله تعالى على خلق السماوات والأرض وما بينهما، وعلى اختراع كل شيء وإبداعه، وإقرارهم بالنشأة الأولى، ومع شهادة العقل بأنه لا بدّ من الجزاء.
ثم عوّل على أحد الإنكارين بقوله: ﴿فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذا مِتْنا﴾، دلالة على أن تعجبهم من البعث أدخل في الاستبعاد وأحق بالإنكار،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإنكار لتعجبهم مما أنذرهم): عطف على قوله: "إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب": أراد أن قوله: ﴿أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ﴾ دل على معنيين: على معنى المنذر به، وهو البعث والرجع، كما سيجيء في كلامه أن عامل الظرف"ما دل عليه المنذر من المنذر به"، وهو البعث، وعلى من قام به الإنذار، وهو الرسول.
ولما كان أحد المنكرين_ وهو إنكار البعث_ أعظمهما، عول الكلام عليه، وقال: ﴿فَقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾، فوضع ﴿الكَافِرُونَ﴾ موضع الضمير؛ إشعارًا بعنادهم، أي: هذا الذي تنذر به من البعث والرجع شيء عجيب، وهو المراد من قوله: "و ﴿هَذَا﴾ إشارة إلى الرجع"، أي: الرجع المفهوم من قوله: ﴿مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾، كما تقرر. ويؤيده أيضًا قوله بعد هذا: "استبعادًا لإنكارهم ما أنذروا به من البعث".
ثم قرروا ذلك مزيدًا للكشف والبيان بقولهم: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا﴾، لأن معناه: أحين نموت ونبلى نرجع. فحينئذ يحسن الوقف عند قوله: ﴿وكُنَّا تُرَابًا﴾ فيكون قوله: ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ هو الجواب، ويكون من كلام الله تعالى؛ ردًا لقوهم ذلك.
قال القاضي: "حكى تعجبهم مبهمًا، ثم فسره بما بعده"، ولأنه أدخل في الإنكار؛ إذ الأول استبعاد، والثاني استقصار لقدرة الله تعالى.