عيي بالأمر: إذا لم يهتد لوجه عمله، والهمزة للإنكار. والمعنى: أنا لم نعجز -كما علموا- عن الخلق الأول، حتى نعجز عن الثاني، ثم قال: هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأوّل، واعترافهم بذلك في طيه الاعتراف بالقدرة على الإعادة، ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ﴾ أي: في خلط وشبهة، قد لبس عليهم الشيطان وحيرهم، ومنه قول علي رضي الله عنه: يا حار، إنه لملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله.
ولبس الشيطان عليهم: تسويله إليهم أن إحياء الموتى أمر خارج عن العادة، فتركوا لذلك القياس الصحيح: أن من قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر.
فإن قلت: لم نكر "الخلق الجديد"، وهلا عرّف كما عرّف "الخلق الأول"؟ قلت: قصد في تنكيره إلى: خلق جديد له شأن عظيم وحال شديد، حق من سمع به أن يهتم به ويخاف، ويبحث عنه، ولا يقعد على لبس في مثله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قصد في تنكيره إلى: خلق جديد له شأن عظيم): الانتصاف: "كلام الزمخشري في هذا المقام لا ينتظم، ولعله ضل في النسخ، ومراده ثلاثة أسئلة: لم عرف "الخلق الأول"، ونكر "اللبس" و"الخلق الجديد"؟
واعلم أنه يؤتى مرة بالتنكير للتفخيم؛ لما فيه من الإبهام، كأنه أفخم من أن يحاط به معرفة، ومرة يقصد به تقليل المنكر، فتنكير "اللبس" للتعظيم، كأنه قال: في لبس أي لبس، وتنكير" الخلق الجديد" للتقليل والتهوين لأمره بالنسبة إلى "الخلق الأول"، أو يكون للتفخيم، كأنه قيل: هو أعظم من أيكون ملتبسًا عليه، فلعل إشارة الزمخشري إلى هذا".
وقلت: قد سلك المصنف مسلكًا وعرًا، لأنه ذهب إلى أن قوله: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ﴾ دل على أنه لزم من إنكارهم الإعادة إنكار الأمر المقرر، وهو العلم بالخلق الأول، ثم دل الإضراب عنه أن ليس ذلك الإنكار مما يلزم منه إنكار الخلق الأول، لأنه لبس من الشيطان،


الصفحة التالية
Icon