فإن قلت:
لم جاز ﴿فِيهِما مِنْ دابَّةٍ﴾ والدواب في الأرض وحدها؟ قلت: يجوز أن ينسب الشيء إلى جميع المذكور، وإن كان ملتبسًا ببعضه، كما يقال: بنو تميم فيهم شاعر مجيد أو شجاع بطل، وإنما هو في فخذ من أفخاذهم، أو فصيلة من فصائلهم، وبنو فلان فعلوا كذا، وإنما فعله نويس منهم. ومنه قوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ﴾ [الرحمن: ٢٢]، وإنما يخرج من الملح.
ويجوز أن يكون للملائكة عليهم السلام مشي مع الطيران، فيوصفوا بالدبيب كما يوصف به الأناسي. ولا يبعد أن يخلق في السماوات حيوانًا يمشى فيها مشى الأناسي على الأرض، سبحان الذي خلق ما نعلم وما لا نعلم من أصناف الخلق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (في فخذ من أفخاذهم): النهاية: "أول العشيرة: الشعب، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ".
قوله: (ويجوز أن يكون للملائكة مشي مع الطيران): الانتصاف: "إطلاق الدابة على الأناسي بعيد من عرف اللغة، فكيف بالملائكة؟ والأول أصح، كما جاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ [البقرة: ١٦٤]، فدل هذا على اختصاص الدواب بالأرض".
وقال صاحب "الإنصاف": ذكر الزمخشري في قوله: ﴿بَثَّ﴾ قولين: أحدهما: أنه معطوف على ﴿فَأَحْيَا﴾، أي: فأحيا وبث فيها من كل دابة، لأن الماء سبب حياة الحيوان، إذ به ينبت العشب الذي به حياتهم، فعلى هذا لا حجة لصاحب "الانتصاف" في الآية، إذ المراد ذكر الماء وما حصل منه من النبات وحياة الحيوان. والثاني: أن يعطف على ﴿أَنْزَلَ﴾، فيكون