وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش، وما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى من آثار ملكوته العظمى، فلذلك قال: ﴿يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾، أي: يبتدئ الانفطار من جهتهنّ الفوقانية. أو لأن كلمة الكفر جاءت من الذين تحت السماوات، فكان القياس أن يقال: ينفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها الكلمة، ولكنه بولغ في ذلك، فجعلت مؤثرة في جهة الفوق، كأنه قيل: يكدن ينفطرن من الجهة التي فوقهن، دع الجهة التي تحتهنّ.
ونظيره في المبالغة قوله عزّ وعلا: ﴿يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ﴾ [الحج: ١٩ - ٢٠]، فجعل الحميم مؤثرًا في أجزائهم الباطنة. وقيل: ﴿مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾: من فوق الأرضين.
فإن قلت: كيف صح أن يستغفروا لمن في الأرض وفيهم الكفار أعداء الله؟ وقد قال الله تعالى: ﴿أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ﴾ [البقرة: ١٦١]، فكيف يكونون لاعنين مستغفرين لهم؟ قلت: قوله: ﴿لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ يدل على جنس أهل الأرض، وهذه الجنسية قائمة في كلهم وفي بعضهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وصفوف الملائكة المرتجة): قال في "الفائق": "رج الشيء فارتج: حركه فتحرك"، الجوهري: "ارتج البحر وغيره: اضطرب"، و"بالتسبيح" متعلق بقوله: "المرتجة"، وهي صفة للصفوف:
قوله: (أو لأن كلمة الكفر جاءت): هذا الجواب مبني على الوجه الثاني من تفسير سبب الانفطار.
قوله: (ونظيره في المبالغة قوله عز وعلا: ﴿يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ﴾: ذكر فيه تأثير الصب في الأجزاء الباطنة، وترك بيان تأثيره في موضع الصب، وهو "رؤوسهم"؛ ليؤذن به أن الموضع الذي ليس موقعًا للصب كذلك، فما بال الموضع الذي وقع فيه الصب؟


الصفحة التالية
Icon