قلت: فيه جوابان؟ ؛ أحدهما: أن سعي غيره لما ينفعه إلا مبنيا على سعي نفسه، وهو أن يكون مؤمنا صالحا، وكذلك الإضعاف، كان سعي غيره كأنه سعي نفسه، لكونه تابعا له وقائما بقيامه. والثاني: أن سعي غيره لا ينفعه إذا عمله لنفسه، ولكن إذا نواه به فهو بحكم الشرع كالنائب عنه، والوكيل القائم مقامه.
﴿ثُمَّ يُجْزَاهُ﴾ ثم يجزى العبد سعيه، يقال: جزاء الله عمله وجزاه على عمله، بحذف الجار وإيصال الفعل. ويجوز أن يكون الضمير للجزاء، ثم فسره بقوله: ﴿الجَزَاءَ الأَوْفَى﴾ أو أبدله عنه، كقوله تعالى: ﴿وأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الأنبياء: ٣]، ﴿وأَنَّ إلَى رَبِّكَ﴾ قرئ بالفتح على معنى: أن هذا كله في الصحف، وبالكسر على الابتداء، وكذلك ما بعده. والمنتهى: مصدر بمعنى الانتهاء، أي: ينتهي إليه الخلق ويرجعون إليه، كقوله تعالى ﴿وإلَى اللَّهِ المَصِيرُ﴾ [فاطر: ١٨].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ثم يجزى العبد سعيه) قال السجاوندي: الجزاء مصدر، والمفعول الثاني الضمير المنصوب، والأول مرفوع مستكين، قال:
إن أجز علقمة بن سيف سعيه.... لا أجزه ببلاء يوم واحد
أي: ثم يجزى هو سعيه، وقال أبو البقاء: ﴿الجَزَاءَ الأَوْفَى﴾ هو مفعول ﴿يُجْزَاهُ﴾، وليس بمصدر لأنه وصفه بالأوفى، وذلك من صفة المجزى به، لا من صفة الفعل.
وقال صاحب "الكشف": جعلت الهاء في ﴿يُجْزَاهُ﴾ مصدرًا، لم يكن ﴿الجَزَاءَ الأَوْفَى﴾ مصدرًا، لأن فعلًا واحدًا لا ينصب مصدرين، بل يكون التقدير: المجزى الأوفى، كالصيد بمعنى المصيد.
قوله: (﴿وأَنَّ إلَى رَبِّكَ﴾، قرئ بالفتح): الجماعة كلهم.